" اعدي الوقت "

"اعدي الوقت"


بقلم: ريما

في أكثر من موقف، ومع أكثر من شخص ، تكرر أمام مسمعي مقولة"أمرر وقتي"،"أعدي بيه الوقت"، "أقضي الوقت"،"أقتل الوقت" ، وغيرها من المقولات التي وان اختلفت في صيغتها ،فإن مضمونها واحد، وهو شغل الوقت بأي شيء مهما كان تافها المهم أن يمر هذا الوقت.

فمن نذرت وقتها لمشاهدة المسلسلات تجدها من باب الحارة إلى حارة نسيها الزمن،ومن ليالي الحلمية إلى ليالي الصالحية،حتى تاه ليلها ونسيت حارتها، ومن زمن أبيض إلى أسمر حتى اختلطت عليها جميع ألوان الطيف،ومن الحقيقة والسراب إلى سنوات الضياع حتى نسيت كيف ضاع عمرها بين الحقيقة والسراب.. وإذا سألتها ماذا استفدت من كل هذ؟ ستجد الإجابة بكل برود : وماذا سأفعل "أقضي الوقت"، إقضي وقتك أخيتي كما تشائين لكن لاتنسي أن مسلسلك المفضل "الماضي يعود ...يعود" هو أكبر كذبة صدقتها في حياتك لأن الوقت يمضي ولايعود أبدا، وتذكري وأنت تقضين وقتك قوله صلى الله عليه وسم:{لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع:عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به}.

ومن دفن وقته في صياغة نظرية تعلم كيف تحبك البنات، تجده من حب مروة إلى عشق خولة ،ومن شوق سارة إلى هجر سلوى ، حتى أصبحت كل مفاهيم العشق والحب والغرام تساوي عنده الرغبة والشهوة والجسد... وإذا سألته إلى متى كل هذا؟ ستجد الإجابة ببساطة :لاتشغل بالك فأنا فقط "أقتل الوقــــــــــت"
ولا أعرف من قال له أن الوقت مجرم لكي يقتله؟؟؟؟
أقتل وقتك أخي كما تريد لكن لاتنسى أن مقولتك المفضلة"الحب الأول ابن الروح..والحب الثاني ابن القلب..والحب الأخير ابن الجسد" أفشل درس في التثليث تعلمته وآمنت به في حياتك، وتذكر أن هذا الذي تريد قتله بدون ذنب إقترفه ،قد اقسم به الله تبارك وتعالى في عدة آيات فقال:{والعصر إن الإنسان لفي خسر} وقال:{والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى} وقال أعز من قائل:{والفجر وليال عشر}.

ومن أدمن عالم الانترنت ، تجده من عالم دردشة بنات الخليج إلى عالم دردشة بنات الشرق والغرب العربي، حتى حقق لنا ببساطة حلم الوحدة والقومية العربية على صفحات الدردشة، ومن موقع إباحي إلى موقع غنائي ، حتى تميعت هويته الإسلامية والأخلاقية...واذا سألت لماذا هذا الاستغلال الســلــــبـــي للانترنيت؟ ستجد نفس صيغة الجواب: "أنا أعدي بيه الوقت خصوصا أن عالم النت كله سلبيات"
عدي وقتك كما يحلو لك لكن لاتنسى أننا نحن باختيارنا المحض نستطيع أن نجعل من أي وسيلة كيفما كانت مضيعة للوقت وهدم للقيم والمثل العليا ، والعكس صحيح فنحن من يستطيع جعلها افضل أداة للتعلم والتثقيف وتطوير المجتمع وبناءه ، فلك الإختيار.
وقبل أن تختار واحد من الطريقين تذكر قوله تبارك وتعالى: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى}، وقوله:{يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون}، وقوله جل في علاه{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون}،وقوله:{ وماكنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولاأبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لايعلم كثيرا مما تعملون}وقوله تعالى : {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا}، وإذا وجدت أن الاختيار صعب عليك استحضر قول الرسول صلى الله عليه وسلم:{يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر}.

ومن تدير لجنة تقصي الحقائق عن الناس ، تجدها بين خبر فلان تزوج وفلانة طلقت،وبين من تخاصم ومن تصالح ومن اغتنى ومن افتقر...حتى أصبحت متعتها في معرفة خبر جديد فلايجب أن تفوتها أي شاردة أو واردة عن الناس وأصبح المجلس الخالي من ذكر مساوئ الناس وأخطائهم لاطعم له فلا تحلوا المجالس إلا بذكر فلان وعلان وانتقاد هذا وذاك...، وإذا سألت لماذا هذا الإهتمام؟ ستسمع الإجابة المرة: أنا أمرر وقتي وكذلك أعرف أخبار الدنيا ومايجري فيها...وكأن أخبار الحياة تختزل في معرفة توافه الأمور عن الناس ومايحدث لهم واغتيابهم ،فأخبار الدنيا هي أن نسمع دين،علم، فن، نقد سياسي أو فكري.. ..بناء،سياحة في عجائب الدنيا وآخر الاستكشافات العلمية...
مرري وقتك أختي كما تحبين، لكن تذكري قوله تعالى :{مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}،وعن عائشة قالت: قلت للنبي حسبك من صفية"زوج النبي" كذا وكذا _تعني أنها قصيرة_فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته".

فالأكيد أن مظاهر قضاء الوقت في أمور لاتعود بالنفع لا على صاحبها ولا على المجتمع لا حصر لها وماذكرته هنا هو على سبيل المثال لا الحصر،ودائما تحت ستار قتل الوقت وبالتالي قتل العمر،لأن الوقت هو العمر،وماانقضى من العمر لايعود، فلا تجعل وقتك وعمرك يمر كما تمر الأحلام وفي ذلك قيل:
مرت سنين بالوصال وبالهـــنا.................... فكأنها مـن قصرها أيام
ثم انثنت أيام هجر بعدهـــــــا.................... فكأنها من طولها أعوام
ثم انقضت تلك السنون وأهلها..................... فكأنها وكأنهم أحـــــلام

قال أحد الحكماء:" من أمضى يوما من عمره في غير حق قضاه،أو فرض أداه أو مجد أثله أو حمد حصله أو خير أسسه أو علم اقتبسه فقد عـق يومه وظلم نفسه" وقال نابليون:"ان السبب في انتصاري يكمن في أن أعدائي لم يعرفوا جيدا قيمة الدقائق الخمس".

لنستغل جميعا اوقاتنا في مايرضي الله ،وفي ماينفعنا وينفع أمتنا في الدنيا والآخرة،و لننسى فكرة أمرر أو أقتل الوقت بما نتحسرعليه يوم القيامة ، لنحيي جميعا أوقاتنا بما فيه خيرنا وصلاحنا.

رودى كتب:

جزاك الله خيرا وبارك فيك

وفيك بارك الرحمان وجزاك كل خير