الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على رسوله الأمين، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين إن الزجر بالهجر قاعدة من قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولو أن المسلمين امتثلوا هذه القاعدة لخف وقع المعصية في ديارهم، ولقل أهل البدع، لا سيما إذا كان للزاجر سلطان.
أصحاب المحلات الذين يظنون أن العمال الذين يعملون عندهم ليسوا تحت مسئوليتهم نقول لهم: إن العامل إذا ترك الصلاة فهي في عنق صاحب المحل، لماذا يذهب أصحاب المحلات ويتركون محلاتهم وفيها العمال يعملون؟ لو أن هذا العامل أساء في العمل، أو أتلف بضائع المحل لأزاحه عن العمل، وليس بعيداً أن يقدمه للنيابة ويرفع ضده قضية إذا تبين له أنه سرق شيئاً من البضائع، أو إذا تأخر عن موعد فتح المحل مرة أو مرتين بما وقع في نفس صاحب المحل أن هذا الرجل مهمل، فإنه يستغني عن عمله؛ لأنه عق صاحب العمل، فإذا عق ربك تبارك وتعالى كيف ساغ وهان عليك أن يبقى معك مع هذا العقوق؟ لو أن كل صاحب محل اشترط على العامل أن يصلي الصلوات الخمس في جماعة لقضينا على هذا التهاون الذي نراه في ديار المسلمين.
إن البيع وقت النداء يوم الجمعة محرم، قال العلماء: فكذلك البيع وقت النداء للصلوات الخمس؛ لجامع العلة المشتركة بين الحكمين.
إذاً: لا يجوز أن تعقد صفقة بيع والمؤذن يؤذن، بل توقف عن كل شيء، كما توقف البيع إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، قال الله عز وجل: { وَذَرُوا الْبَيْعَ } [الجمعة:9] أي: اتركوه، وإذا أمر الله عز وجل بترك شيء فإنه يكون حراماً، فكل أصحاب المحلات سيسألون عن هؤلاء العمال، فينبغي أن يُهجر، فإن العامل إذا علم أن عيشه سيقطع، وهو محتاج للوظيفة، فهو على استعداد أن يمسك ذيل بغلة السلطان في سبيل لقمة العيش، فإن البعض قد يرتشي ويعمل المحرمات، ويعتذر بأنه يريد أن يأكل لقمة العيش.
فإذا كان في سبيل طلب لقمة العيش سوف يرتكب المحرمات، فحينما تأمره بتقوى الله عز وجل والصلوات الخمس سوف يلقى هذا الأمر عنده -لو عنده مسحة إيمان وإسلام- قبولاً وراحة، فإنه سيريح نفسه من الشغل، ويغسل وجهه من العرق الذي عليه، فهي ساعة راحة بعد العمل المضني.
فلو أن أصحاب المحلات فعلوا ذلك لفعلوا خيراً كبيراً، فكم تكلم الدعاة في هذا الأمر، وناشدوا أصحاب المحلات أن يتقوا الله في هذا الأمر، إننا نريد أن نرى المحلات مغلقة في وقت الصلاة، مكتوباً عليها عبارة (مغلق للصلاة)، نريد أن نرى هذه العبارة مرة أخرى، نريد أن نرى الناس كلهم يتوجهون إلى الصلاة، فلا بيع ولا شراء.
وأنت على ما عودت الزبون، ولي تجربة في هذا الأمر، ففي مطلع الثمانينيات عندما كنت أشتغل في بقالة في مدينة نصر وفي المنطقة الأولى -في منطقة راقية- وكان هذا المحل له رواج؛ لأمانة صاحبه، ولأنه كان يأتي بأحسن البضاعة، فكنا نبيع بنحو ثلاثة آلاف جنيه في اليوم الواحد.
المهم أن المنطقة الأولى هناك في مدينة نصر معروف أنها منطقة راقية، وفيها مسجد رابعة العدوية، الذي صار في مكان مسجد عمر مكرم، ومسجد عمر مكرم كان الناس إذا أرادوا أن يدخلوا أحداً الجنة -بزعمهم- يمرون بجنازته من عند مسجد عمر مكرم، وبعد أن ازدحم مكان هذا المسجد وتلوث بدخان السيارات وغيرها؛ استبدلوا مسجد رابعة العدوية بمسجد عمر مكرم.
وهنا فائدة نحوية: وهي أن الباء في الاستبدال تلحق بالمتروك، فيقال: استبدلوا مسجد رابعة بمسجد عمر مكرم، ولذلك يقول العلماء: باء الاستبدال إنما تلتحق بالشيء المتروك، فلو كان عندك ثياب أسمال بالية، وأتيت بقميص جديد، وأردت أن تعبر أنك استبدلت هذا القميص بهذا القميص، فتقول: استبدلت الثوب الجديد بثوب قديم.
فالباء هذه تلصق بالشيء الذي تركته، قال الله تبارك وتعالى: { وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ } [النساء:2]، فهم تركوا الشيء الطيب، وقال تعالى: { أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ } [البقرة:61] وهم هنا تركوا الخير، الذي هو المن والسلوى، ولذلك جاءت الباء في (( الذي هو خير)) واسمها (باء الاستبدال).
فالمهم: أن هذا المسجد صار المسجد الرسمي الذي تأتي منه الجنائز العسكرية .
وهذا كله لأن الحي راقٍ، فأول ما بدأت العمل كان المحل يزدحم في أوقات الصلوات، والشيطان يزيد العمل والرزق يكثر، وكيف تترك الزبائن؟ وسوف تصلي بعد قليل وهكذا.
فقلت لصاحب المحل -وهو رجل أحسبه من المؤمنين المخلصين، ولا أزكيه على الله عز وجل- قلت له: إنه لا يجوز البيع وقت النداء، فقال: الزبائن كثير، وكلهم أناس أكابر، ومستواهم عالٍ، وسوف يغضبون علينا، وأنا من سنة سبعة وستين وأنا على هذا الحال فقلت له: نبدأ ونجرب، فأول ما يؤذن نوقف البيع، وبدأنا في هذا الأمر، فأتى إلينا رجل في وقت الأذان، فقلت له: لا بيع ولا شراء، أنت الآن تسمع الأذان، (الله أكبر) يعني: الله أكبر من البيع والشراء والفلوس ومن كل شيء، فقال: ولماذا؟ أين صاحب المحل؟ قلت له: صاحب المحل سبقني، ذهب يتوضأ، وأنا لن أبيع، وكان هناك ثلاثة أو أربعة أو خمسة فخرجوا من المحل.
الشيء العصيب هو أننا رجعنا من المسجد ووجدناهم واقفين في باب المحل! لم يذهبوا ليصلوا معنا، فهذه آية من الله عز وجل أن رزقك منتظر لك، مع أن هناك عدة محلات، من الممكن أن يأخذهم الغيظ فيشترون من أي محل آخر، ولا يرجعون إلى هذا المحل على الإطلاق، لكن الأمر كما قال الله عز وجل: { مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [هود:56]، فإذا قدر الله عليه أن يقف هنا فسوف يقف؛ لأن الله أخذ بناصيته، والمال الذي معه قد كتب لي ثم استمرت هذه المسألة ولم نجد كبير عناء، إلا شيئاً يسيراً في البداية، وبعد نحو شهر أو شهرين كان إذا أذن المؤذن لم نجد أحداً لماذا؟ لأنه كان إذا أراد أحد أن يشتري شيئاً ينظر إلى الساعة أولاً، يقول لي أحدهم: كنت إذا أردت أن أرسل البنت أنظر إلى الساعة، فإذا وجدت أن الظهر قد اقترب فلا أدعها تذهب.
فنحن نناشد أصحاب المحلات نناشدهم الله عز وجل الذي هو أقوى من سلطة القانون، عندما يسمعون الأذان أن يغلقوا المحلات، ويصطحبوا العمال للصلاة، وإذا ثبت أن العامل تهرب، وجلس يدخن في دورة المياه وقت الصلاة، فعليه أن يفصله من العمل، فإن الذي يخون الله عز وجل لن يكون أميناً في عمله على الإطلاق يخون الملك العلام، القوي، القادر عليه، وبكل جرأه وبجاحة، ولا يؤثر فيه إطلاقاً أي تأثير، فهل تتصور أنه سيعمل لك حساباً؟ لا والله، هذا خائن { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [الأنفال:27].
فالزجر بالهجر عن طريق المشاحاة، وعن طريق قطع الحوافز، بل عن طريق الفصل الجذري، هذا يعيد لنا بهاء المجتمع الإسلامي، فينبغي لنا استخدام قاعدة الزجر بالهجر حتى تقل المعاصي واللامبالاة الموجودة في المجتمع.
والداعية إلى الله عز وجل لابد أن يكون لطيفاً وظريفاً وخفيفاً، ودائماً يقول كلاماً حسناً، لكنه أحياناً يحتاج إلى أن يستخدم المشرط مع بعض الناس.
اتصل بي أحدهم فقال: أنا أريد فلاناً.
قلت: أنا فلان.
قال: صلِّ على النبي.
عليه الصلاة والسلام، طيب زيد النبي صلاة.
عليه الصلاة والسلام، وحد الله قلت: لا إله إلا الله.
قال: انظر أنا طلقت طلقات ليس لها عدد، وأريد أن أعرف هل أنا أعيش الآن في حلال أم في حرام؟ قلت له: أنت تعيش في حرام، وهذه لا تحتاج إلى مفتي.
فقال: وهل أنا تكلمت؟ قلت له: نعم، تقول لي: إنك طلقت طلقات ليس لها عدد، والطلقات إنما هي ثلاث فقط، فلو أنك طلقت ثلاث مرات لحرمت عليك امرأتك، وأنت الآن تقول: إنها طلقات ليس لها عدد، ثم تأتي و تسألني: أأنا في حلال أم حرام! فقال: احلم علي واسمع مني هذا الكلام قلت لها في المرة الأولى: هات كوب الشاي، فلم تأت به، فقلت لها: أنت طالق.
قلت: وقعت .
ثم قال: وقلت لها: اعملي كذا وإلا فأنت طالق، وغير ذلك من الأمور التافهة التي لا يمكن أن يعملها رجل عاقل .
إلخ ما دار بيني وبينه من كلام.
فهل هناك أحد يستفتي في هذه المسألة ويسأل هل هو في حلال أم في حرام؟! وهذا السائل هل ينفع أن يكون أباً؟ أو يصلح أن يكون جديراً بلقب الأبوة؟! وهل يتصور أن ينجب هذا الرجل أبناءً حتى ينفعوه هو على الأقل؟ بل هل من الممكن أن ينفعوا أنفسهم؟! فهذا النمط من الناس إذا استفتاك أحدهم بهذه الصورة فإنه سيضيع
وقتك، فلا بأس أن تغلق السماعة ولا تكلمه؛ لأنك مضطر أحياناً لاستخدام مثل هذا: الزجر بالهجر.
هجر المبتدع والعاصي
لو أن رجلاً مبتدعاً ينشر بدعة في حيك، فلا تسلم عليه، وإذا كنت تعلم أن إلقاء السلام عليه لا يصده عن بدعته فسلم عليه، وتودد إليه، وأعطه بعض الهدايا، وزره في بيته، وأخبره أن هذا لا يحل، ولا يجوز، وابذل معه كل ما في وسعك، فإذا لم ينفع معه كل ما سبق فلم يبق لك إلا أن تهجره ولا تسلم عليه.
فإذا قيل: إن هذا مسلم، أقول: أنا أعرف أنه مسلم، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لما هجر كعب بن مالك كان كعب يلقي عليه السلام، يقول كعب : ( فكنت أقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا؟ ) والرسول عليه الصلاة والسلام لما أمر المسلمين ألا يكلموا هؤلاء الثلاثة، يقول كعب : ( فلما شق علي هجر المسلمين ذهبت إلى حائط أبي قتادة ، وهو ابن عمي، وأحب الناس إلي، فتسورت الحائط، فوجدت أبا قتادة في بستانه، فألقيت عليه السلام، فوالله ما رد علي السلام، و أبو قتادة من خيار المسلمين، و كعب من خيار المسلمين، فهذا مسلم مع مسلم، فلا يقال إذاً: إن المسلم لا يجوز هجره أو عدم السلام عليه للمصلحة، لا، يقول كعب : ( فألقيت عليه السلام، فوالله ما رد علي السلام.
فقلت: يا أبا قتادة ! نشدتك الله ألا تعلم أني أحب الله ورسوله؟ فقال: الله أعلم.
ففاضت عيناي ).
فمسألة ترك السلام على المسلم مسألة مشروعة، طالما أن فيه المعنى الذي من أجله هجرته.
إذاً: الزجر بالهجر يرفع البدعة من بيننا.
ولو علم العصاة أنه لا محل لهم ولا عيش في ديار المسلمين؛ لاستخفوا بعصيانهم وراء الجدر، مثلاً: شارع نبوي المهندس هنا شارع قذر، موبوء، كل البذاءات والفواحش موجودة هناك رجال ونساء مختلطون، وأصوات الموسيقى في السيارات تصم الآذان، وأنا أتكلم عن الشارع وليس عن سكان الشارع، فإنه شارع قذر، وكل شارع يمارس فيه العصيان بغير نكير فأهله من تعساء الحظ، لأنهم متاخمون للمعاصي، وإني كلما مررت في هذا الشارع أستعيذ بالله عز وجل، حتى أصبحت لا أكاد أمر فيه من هول ما أرى بالنسبة لبلد كبلدنا.
لا يوجد أحد يقول لي: يا أخي! نحن رضي الله عنا، هذا شارع الهرم والإسكندرية والمصيف والبلازا .
والكلام هذا؟ لا، نحن نقيس الشوارع بنظيرها عندنا، وفي الآخر محافظتنا تعتبر من الأرياف، ويعتبر إلى حد ما فيها الاستتار والحشمة أفضل من المدن الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية والمنصورة وهذه البلاد، وهذا من رحمة الله عز وجل أننا بادون في الأعراب، لا عندنا حضارة ولا مصايف ولا آثار ولا متاحف لكي نبتلى بالعراة الذين يلبسون الميني جب إلى فوق الركب ويأتون يفترجون، لكن هذا الشارع إذا قيس بنظائره من الشوارع الأخرى كان هذا في غاية القبح.
فنحن نقول للآباء الذين عندهم سيارات: اتقوا الله عز وجل، ولا تعصوا الله بالنعمة، تعطي ابنك السيارة ويظل يلعب بها، وهو يشرب السيجارة، ويسمع الديسكو بأعلى صوت يصم الآذان هل هذا هو شكر النعمة؟ أعطاك الله رجلاً تمشي عليها، ثم أعطاك سيارةً تركبها وحرم غيرك من رجله ومن السيارة فأين شكر النعم؟! { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [إبراهيم:7] .
إذاً: هجر أهل المعاصي يقلل من وجود المعصية، وكذلك هجر التعامل معهم أيضاً.
فإذا كان هناك رجل غير ملتزم، ويتظاهر بالفسوق والعصيان، وعنده بقالة، أو محل ملابس، فلا تشتري منه، بل اذهب واشتر من عند الملتزم، فإن الملتزم إذا فتح الله عليه سيكفل أسراً جائعة، وسيخرج الزكاة من ماله، فكم من تجار خير فتحوا بيوتاً للفقراء والمساكين، جزاهم الله خيراً، وأسأل الله عز وجل أن ينمي لهم أموالهم، وأن يبارك لهم فيها، فإذا قصدنا أحد هؤلاء التجار لكي يكسي عرياناً، أو يطعم جائعاً، أو يكفل أسرة فقيرة، فلن يتأخر أبداً.
وعندما تذهب وتشتري من عند رجل ملتزم بضاعة أغلى مما هي عند الرجل الفاسق وتحتسبها لله عز وجل، يبارك لك فيها.
كذلك إذا احتسبت القيمة الزائدة عند هذا الرجل؛ لأنه يزكي ويطعم الفقراء والمساكين، فقد تكون شريكاً له إذا ربح، فإن يد الله عز وجل سحاء، ينفق بالليل والنهار، لا يغيضها شيء، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.
كذلك من باب أولى اعتزال الصحف والمجلات الخليعة والمنحرفة، وليس هذا الأمر مقتصراً على الذين يهاجمون الإسلام بل هناك نمط من المفتين يخافون من أهل الفسق، فبدلاً من أن يفتوا بشرع الله تعالى فيوصفون بالإرهاب والتطرف والتشدد، يفتون الناس بغير شرع الله؛ بل يحللون الحرام ويحرمون الحلال والعياذ بالله! سئل بعضهم في مجلة الشباب -كما حدثني من أثق بنقلهم- عن التدخين: أحرام هو أم حلال؟ فقال: إذا كان الموظف مرتبه مائة جنيه فهو حرام عليه، لكن إذا كان دخله كبيراً فلا بأس بالتدخين!! أهذه فتوى؟ وعلى ضوئها نستطيع أن نقول: إذا كان الموظف مرتبه مائة جنية فلا يشرب الخمر، وإذا كان مرتبه أكثر فلا بأس أن يشرب الخمر!! فما هو أصل القياس الصحيح الذي يجعلنا نلحق هذا الدخان بالخمر، ولو من وجه أو وجهين؟! ولماذا لا يريد أن يقول: إن التدخين حرام؟ لو أن الأطباء اجتمعوا، وجميع منسوبي وزارة الصحة، وأخرجوا لنا تقريراً بأن التدخين مضر؛ فسوف نحرمه، ومع هذا فإن كل المجامع الطبية العالمية بما فيها المجامع المصرية في بلادنا، ووزارة الصحة، تقاريرها الرسمية وغير الرسمية تقول: إن التدخين مضر جداً بالصحة، وهذا الكلام يكتب على علب السجائر بأمر من القانون، وإلا فإن أصحاب المصانع لا يريدون كتابة هذه العبارة، لكنهم مجبورون من قبل القانون.
إذاً: مذهب الدولة الرسمي في السجائر أنها ضارة جداً بالصحة، والمفتي الذي أفتى بهذه الفتوى له فتوى بتحريم الدخان، وهي موجودة عندي، لكنه يفتي كل سنة بفتوى ثم يتراجع عنها، كما أفتى في رمضان أن نصوم مع السعودية، ثم أفتى بأن لكل بلد مطلعه، وإلى الآن لم يبتوا فيها، مع أن المسألة عند أي رجل عنده قدر من أصول الشريعة، لا يتردد على الإطلاق في الأخذ باتحاد المقال، رعاية لمصالح المسلمين.
فأنت عندما تشتري هذه الصحف وفيها مثل هذا الكلام، وتقرأ فيها مثل هذه الفتاوى التي لا يحكمها خطام ولا زمام، ولا ترجع إلى أصل صحيح، فمن حيث أردت الخير لدغك ثعبان، فلابد أن تصون نفسك ومالك، فبدلاً من أن تشتري هذه الصحف بأربعين قرشاً، تصدق بها على مسكين خير لك.
والله الذي لا إله غيره لقد اتصلت بي في الأسبوع الماضي أسرة تبكي لأنها لا تجد شيئاًَ، ويبيتون على الطوى، ولا يوجد في البيت كسرة خبز، وليس عندهم رجل يعولهم، كلهم نساء، فعندما قلنا لبعض الناس: اذهبوا إلى البيت الفلاني واعملوا كذا قال: إن المرأة قبلت قدمه، وظل النساء يبكين طوال الفترة وهو يعطيهن ما يسد رمقهن ويشبع جوعتهن، وقد كانوا أصحاب عز، ولكن أباهم مات، والعم أكل الميراث في قصة معروفة، وبقيت المرأة وبناتها يبيتون على الطوى لا يجدون رغيف خبز يأكلونه.
إذاً: الأربعون قرشاً سوف تشتري بها ثمانية أرغفة، وسوف تطعم بها أربعة أو خمسة جائعين، وتكون قد ادخرتها لنفسك، فأنفق من مالك فإن أولادك لن ينفعوك إذا لم يكونوا ملتزمين بأمر الله تعالى، إنهم سيختصمون في الميراث وأنت ما زلت جثة ساخنة، وبعد أن تدفن سيرجعون ويقتتلون على الميراث ولن يترحموا عليك.
لقد حضرت مرة مشاجرة بين أصحاب ميراث، مع أن أباهم لم يكن له إلا أربعون يوماً منذ أن مات، وإذا بالولد يصيح ويغضب، ويريد الدنيا، ويريد أن يتزوج قبل تقسيم الميراث، ويريد كذلك سيارة أسوة بإخوته، ويقول: إن أباه ظالم، إنه كان يعطي لفلان وفلاناً وتركني، ولم أكن أعرف أنه سيموت، وإلا فإنه كان سيعطيني وأخته تقول له: يا أخي! هذا أبوك لم يمر عليه إلا أيام، فقال: الله يرحمه، لا تجعليني أغلط عليه!! فهل يستحق هذا الولد شربة ماء؟! هل يستحق أن تترك له جنيهاً واحداً؟! لقد حرم الأب نفسه من الطيبات والمأكولات والمشروبات، بل حتى من الصدقة؛ كي يورث لابنه شيئاً، وإذا به بعد موت أبيه يفعل هكذا!! فينبغي أن تكثر من صدقة السر؛ فإن هذا هو الحساب الجاري الذي ستتركه لنفسك، وعندما تموت سوف تلقى ما أنفقت أمامك، وأنت وحدك الذي ستنتفع به، وبهذا تكون قد تركت لأولادك شيئاً ونفعت نفسك أيضاً.
إذاً: الزجر بالهجر ضرورة شرعية، نحن في أمس الحاجة إليها في هذا العصر، فابنك الذي لا يصلي لا تجلس معه، ولا يأكل معك على مائدة واحدة، ولا تسوي بينه وبين الذي يصلي في الهبة، فالولد الذي يصلي أعطه وأكرمه، والذي لا يصلي لا تعطه؛ لأن عطاءك إنما هو بالموالاة لله عز وجل، فمن كان ولياً لله واليناه، ومن كان عدواً لله عاديناه.
وكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : الولاء والبراء إنما هو على قدر الخير والشر في الإنسان، يوالى بقدر ما فيه من الخير، ويعادى ويهجر على قدر ما فيه من الشر.
وإذا عرف ابنك أنك ستطرده، وأنك لن تسامحه على الإطلاق في مسألة ترك الصلاة، فهل سيتمادى؟ لا.
إذاً: الزجر بالهجر قاعدة من قواعد الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ينبغي أن نحييها في مجتمعاتنا.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
من محاضره لشيخنا ابي اسحاق الحويني
بارك الله فيه وحفظه
أصحاب المحلات الذين يظنون أن العمال الذين يعملون عندهم ليسوا تحت مسئوليتهم نقول لهم: إن العامل إذا ترك الصلاة فهي في عنق صاحب المحل، لماذا يذهب أصحاب المحلات ويتركون محلاتهم وفيها العمال يعملون؟ لو أن هذا العامل أساء في العمل، أو أتلف بضائع المحل لأزاحه عن العمل، وليس بعيداً أن يقدمه للنيابة ويرفع ضده قضية إذا تبين له أنه سرق شيئاً من البضائع، أو إذا تأخر عن موعد فتح المحل مرة أو مرتين بما وقع في نفس صاحب المحل أن هذا الرجل مهمل، فإنه يستغني عن عمله؛ لأنه عق صاحب العمل، فإذا عق ربك تبارك وتعالى كيف ساغ وهان عليك أن يبقى معك مع هذا العقوق؟ لو أن كل صاحب محل اشترط على العامل أن يصلي الصلوات الخمس في جماعة لقضينا على هذا التهاون الذي نراه في ديار المسلمين.
إن البيع وقت النداء يوم الجمعة محرم، قال العلماء: فكذلك البيع وقت النداء للصلوات الخمس؛ لجامع العلة المشتركة بين الحكمين.
إذاً: لا يجوز أن تعقد صفقة بيع والمؤذن يؤذن، بل توقف عن كل شيء، كما توقف البيع إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، قال الله عز وجل: { وَذَرُوا الْبَيْعَ } [الجمعة:9] أي: اتركوه، وإذا أمر الله عز وجل بترك شيء فإنه يكون حراماً، فكل أصحاب المحلات سيسألون عن هؤلاء العمال، فينبغي أن يُهجر، فإن العامل إذا علم أن عيشه سيقطع، وهو محتاج للوظيفة، فهو على استعداد أن يمسك ذيل بغلة السلطان في سبيل لقمة العيش، فإن البعض قد يرتشي ويعمل المحرمات، ويعتذر بأنه يريد أن يأكل لقمة العيش.
فإذا كان في سبيل طلب لقمة العيش سوف يرتكب المحرمات، فحينما تأمره بتقوى الله عز وجل والصلوات الخمس سوف يلقى هذا الأمر عنده -لو عنده مسحة إيمان وإسلام- قبولاً وراحة، فإنه سيريح نفسه من الشغل، ويغسل وجهه من العرق الذي عليه، فهي ساعة راحة بعد العمل المضني.
فلو أن أصحاب المحلات فعلوا ذلك لفعلوا خيراً كبيراً، فكم تكلم الدعاة في هذا الأمر، وناشدوا أصحاب المحلات أن يتقوا الله في هذا الأمر، إننا نريد أن نرى المحلات مغلقة في وقت الصلاة، مكتوباً عليها عبارة (مغلق للصلاة)، نريد أن نرى هذه العبارة مرة أخرى، نريد أن نرى الناس كلهم يتوجهون إلى الصلاة، فلا بيع ولا شراء.
وأنت على ما عودت الزبون، ولي تجربة في هذا الأمر، ففي مطلع الثمانينيات عندما كنت أشتغل في بقالة في مدينة نصر وفي المنطقة الأولى -في منطقة راقية- وكان هذا المحل له رواج؛ لأمانة صاحبه، ولأنه كان يأتي بأحسن البضاعة، فكنا نبيع بنحو ثلاثة آلاف جنيه في اليوم الواحد.
المهم أن المنطقة الأولى هناك في مدينة نصر معروف أنها منطقة راقية، وفيها مسجد رابعة العدوية، الذي صار في مكان مسجد عمر مكرم، ومسجد عمر مكرم كان الناس إذا أرادوا أن يدخلوا أحداً الجنة -بزعمهم- يمرون بجنازته من عند مسجد عمر مكرم، وبعد أن ازدحم مكان هذا المسجد وتلوث بدخان السيارات وغيرها؛ استبدلوا مسجد رابعة العدوية بمسجد عمر مكرم.
وهنا فائدة نحوية: وهي أن الباء في الاستبدال تلحق بالمتروك، فيقال: استبدلوا مسجد رابعة بمسجد عمر مكرم، ولذلك يقول العلماء: باء الاستبدال إنما تلتحق بالشيء المتروك، فلو كان عندك ثياب أسمال بالية، وأتيت بقميص جديد، وأردت أن تعبر أنك استبدلت هذا القميص بهذا القميص، فتقول: استبدلت الثوب الجديد بثوب قديم.
فالباء هذه تلصق بالشيء الذي تركته، قال الله تبارك وتعالى: { وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ } [النساء:2]، فهم تركوا الشيء الطيب، وقال تعالى: { أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ } [البقرة:61] وهم هنا تركوا الخير، الذي هو المن والسلوى، ولذلك جاءت الباء في (( الذي هو خير)) واسمها (باء الاستبدال).
فالمهم: أن هذا المسجد صار المسجد الرسمي الذي تأتي منه الجنائز العسكرية .
وهذا كله لأن الحي راقٍ، فأول ما بدأت العمل كان المحل يزدحم في أوقات الصلوات، والشيطان يزيد العمل والرزق يكثر، وكيف تترك الزبائن؟ وسوف تصلي بعد قليل وهكذا.
فقلت لصاحب المحل -وهو رجل أحسبه من المؤمنين المخلصين، ولا أزكيه على الله عز وجل- قلت له: إنه لا يجوز البيع وقت النداء، فقال: الزبائن كثير، وكلهم أناس أكابر، ومستواهم عالٍ، وسوف يغضبون علينا، وأنا من سنة سبعة وستين وأنا على هذا الحال فقلت له: نبدأ ونجرب، فأول ما يؤذن نوقف البيع، وبدأنا في هذا الأمر، فأتى إلينا رجل في وقت الأذان، فقلت له: لا بيع ولا شراء، أنت الآن تسمع الأذان، (الله أكبر) يعني: الله أكبر من البيع والشراء والفلوس ومن كل شيء، فقال: ولماذا؟ أين صاحب المحل؟ قلت له: صاحب المحل سبقني، ذهب يتوضأ، وأنا لن أبيع، وكان هناك ثلاثة أو أربعة أو خمسة فخرجوا من المحل.
الشيء العصيب هو أننا رجعنا من المسجد ووجدناهم واقفين في باب المحل! لم يذهبوا ليصلوا معنا، فهذه آية من الله عز وجل أن رزقك منتظر لك، مع أن هناك عدة محلات، من الممكن أن يأخذهم الغيظ فيشترون من أي محل آخر، ولا يرجعون إلى هذا المحل على الإطلاق، لكن الأمر كما قال الله عز وجل: { مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [هود:56]، فإذا قدر الله عليه أن يقف هنا فسوف يقف؛ لأن الله أخذ بناصيته، والمال الذي معه قد كتب لي ثم استمرت هذه المسألة ولم نجد كبير عناء، إلا شيئاً يسيراً في البداية، وبعد نحو شهر أو شهرين كان إذا أذن المؤذن لم نجد أحداً لماذا؟ لأنه كان إذا أراد أحد أن يشتري شيئاً ينظر إلى الساعة أولاً، يقول لي أحدهم: كنت إذا أردت أن أرسل البنت أنظر إلى الساعة، فإذا وجدت أن الظهر قد اقترب فلا أدعها تذهب.
فنحن نناشد أصحاب المحلات نناشدهم الله عز وجل الذي هو أقوى من سلطة القانون، عندما يسمعون الأذان أن يغلقوا المحلات، ويصطحبوا العمال للصلاة، وإذا ثبت أن العامل تهرب، وجلس يدخن في دورة المياه وقت الصلاة، فعليه أن يفصله من العمل، فإن الذي يخون الله عز وجل لن يكون أميناً في عمله على الإطلاق يخون الملك العلام، القوي، القادر عليه، وبكل جرأه وبجاحة، ولا يؤثر فيه إطلاقاً أي تأثير، فهل تتصور أنه سيعمل لك حساباً؟ لا والله، هذا خائن { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [الأنفال:27].
فالزجر بالهجر عن طريق المشاحاة، وعن طريق قطع الحوافز، بل عن طريق الفصل الجذري، هذا يعيد لنا بهاء المجتمع الإسلامي، فينبغي لنا استخدام قاعدة الزجر بالهجر حتى تقل المعاصي واللامبالاة الموجودة في المجتمع.
والداعية إلى الله عز وجل لابد أن يكون لطيفاً وظريفاً وخفيفاً، ودائماً يقول كلاماً حسناً، لكنه أحياناً يحتاج إلى أن يستخدم المشرط مع بعض الناس.
اتصل بي أحدهم فقال: أنا أريد فلاناً.
قلت: أنا فلان.
قال: صلِّ على النبي.
عليه الصلاة والسلام، طيب زيد النبي صلاة.
عليه الصلاة والسلام، وحد الله قلت: لا إله إلا الله.
قال: انظر أنا طلقت طلقات ليس لها عدد، وأريد أن أعرف هل أنا أعيش الآن في حلال أم في حرام؟ قلت له: أنت تعيش في حرام، وهذه لا تحتاج إلى مفتي.
فقال: وهل أنا تكلمت؟ قلت له: نعم، تقول لي: إنك طلقت طلقات ليس لها عدد، والطلقات إنما هي ثلاث فقط، فلو أنك طلقت ثلاث مرات لحرمت عليك امرأتك، وأنت الآن تقول: إنها طلقات ليس لها عدد، ثم تأتي و تسألني: أأنا في حلال أم حرام! فقال: احلم علي واسمع مني هذا الكلام قلت لها في المرة الأولى: هات كوب الشاي، فلم تأت به، فقلت لها: أنت طالق.
قلت: وقعت .
ثم قال: وقلت لها: اعملي كذا وإلا فأنت طالق، وغير ذلك من الأمور التافهة التي لا يمكن أن يعملها رجل عاقل .
إلخ ما دار بيني وبينه من كلام.
فهل هناك أحد يستفتي في هذه المسألة ويسأل هل هو في حلال أم في حرام؟! وهذا السائل هل ينفع أن يكون أباً؟ أو يصلح أن يكون جديراً بلقب الأبوة؟! وهل يتصور أن ينجب هذا الرجل أبناءً حتى ينفعوه هو على الأقل؟ بل هل من الممكن أن ينفعوا أنفسهم؟! فهذا النمط من الناس إذا استفتاك أحدهم بهذه الصورة فإنه سيضيع
وقتك، فلا بأس أن تغلق السماعة ولا تكلمه؛ لأنك مضطر أحياناً لاستخدام مثل هذا: الزجر بالهجر.
هجر المبتدع والعاصي
لو أن رجلاً مبتدعاً ينشر بدعة في حيك، فلا تسلم عليه، وإذا كنت تعلم أن إلقاء السلام عليه لا يصده عن بدعته فسلم عليه، وتودد إليه، وأعطه بعض الهدايا، وزره في بيته، وأخبره أن هذا لا يحل، ولا يجوز، وابذل معه كل ما في وسعك، فإذا لم ينفع معه كل ما سبق فلم يبق لك إلا أن تهجره ولا تسلم عليه.
فإذا قيل: إن هذا مسلم، أقول: أنا أعرف أنه مسلم، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لما هجر كعب بن مالك كان كعب يلقي عليه السلام، يقول كعب : ( فكنت أقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا؟ ) والرسول عليه الصلاة والسلام لما أمر المسلمين ألا يكلموا هؤلاء الثلاثة، يقول كعب : ( فلما شق علي هجر المسلمين ذهبت إلى حائط أبي قتادة ، وهو ابن عمي، وأحب الناس إلي، فتسورت الحائط، فوجدت أبا قتادة في بستانه، فألقيت عليه السلام، فوالله ما رد علي السلام، و أبو قتادة من خيار المسلمين، و كعب من خيار المسلمين، فهذا مسلم مع مسلم، فلا يقال إذاً: إن المسلم لا يجوز هجره أو عدم السلام عليه للمصلحة، لا، يقول كعب : ( فألقيت عليه السلام، فوالله ما رد علي السلام.
فقلت: يا أبا قتادة ! نشدتك الله ألا تعلم أني أحب الله ورسوله؟ فقال: الله أعلم.
ففاضت عيناي ).
فمسألة ترك السلام على المسلم مسألة مشروعة، طالما أن فيه المعنى الذي من أجله هجرته.
إذاً: الزجر بالهجر يرفع البدعة من بيننا.
ولو علم العصاة أنه لا محل لهم ولا عيش في ديار المسلمين؛ لاستخفوا بعصيانهم وراء الجدر، مثلاً: شارع نبوي المهندس هنا شارع قذر، موبوء، كل البذاءات والفواحش موجودة هناك رجال ونساء مختلطون، وأصوات الموسيقى في السيارات تصم الآذان، وأنا أتكلم عن الشارع وليس عن سكان الشارع، فإنه شارع قذر، وكل شارع يمارس فيه العصيان بغير نكير فأهله من تعساء الحظ، لأنهم متاخمون للمعاصي، وإني كلما مررت في هذا الشارع أستعيذ بالله عز وجل، حتى أصبحت لا أكاد أمر فيه من هول ما أرى بالنسبة لبلد كبلدنا.
لا يوجد أحد يقول لي: يا أخي! نحن رضي الله عنا، هذا شارع الهرم والإسكندرية والمصيف والبلازا .
والكلام هذا؟ لا، نحن نقيس الشوارع بنظيرها عندنا، وفي الآخر محافظتنا تعتبر من الأرياف، ويعتبر إلى حد ما فيها الاستتار والحشمة أفضل من المدن الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية والمنصورة وهذه البلاد، وهذا من رحمة الله عز وجل أننا بادون في الأعراب، لا عندنا حضارة ولا مصايف ولا آثار ولا متاحف لكي نبتلى بالعراة الذين يلبسون الميني جب إلى فوق الركب ويأتون يفترجون، لكن هذا الشارع إذا قيس بنظائره من الشوارع الأخرى كان هذا في غاية القبح.
فنحن نقول للآباء الذين عندهم سيارات: اتقوا الله عز وجل، ولا تعصوا الله بالنعمة، تعطي ابنك السيارة ويظل يلعب بها، وهو يشرب السيجارة، ويسمع الديسكو بأعلى صوت يصم الآذان هل هذا هو شكر النعمة؟ أعطاك الله رجلاً تمشي عليها، ثم أعطاك سيارةً تركبها وحرم غيرك من رجله ومن السيارة فأين شكر النعم؟! { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [إبراهيم:7] .
إذاً: هجر أهل المعاصي يقلل من وجود المعصية، وكذلك هجر التعامل معهم أيضاً.
فإذا كان هناك رجل غير ملتزم، ويتظاهر بالفسوق والعصيان، وعنده بقالة، أو محل ملابس، فلا تشتري منه، بل اذهب واشتر من عند الملتزم، فإن الملتزم إذا فتح الله عليه سيكفل أسراً جائعة، وسيخرج الزكاة من ماله، فكم من تجار خير فتحوا بيوتاً للفقراء والمساكين، جزاهم الله خيراً، وأسأل الله عز وجل أن ينمي لهم أموالهم، وأن يبارك لهم فيها، فإذا قصدنا أحد هؤلاء التجار لكي يكسي عرياناً، أو يطعم جائعاً، أو يكفل أسرة فقيرة، فلن يتأخر أبداً.
وعندما تذهب وتشتري من عند رجل ملتزم بضاعة أغلى مما هي عند الرجل الفاسق وتحتسبها لله عز وجل، يبارك لك فيها.
كذلك إذا احتسبت القيمة الزائدة عند هذا الرجل؛ لأنه يزكي ويطعم الفقراء والمساكين، فقد تكون شريكاً له إذا ربح، فإن يد الله عز وجل سحاء، ينفق بالليل والنهار، لا يغيضها شيء، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.
كذلك من باب أولى اعتزال الصحف والمجلات الخليعة والمنحرفة، وليس هذا الأمر مقتصراً على الذين يهاجمون الإسلام بل هناك نمط من المفتين يخافون من أهل الفسق، فبدلاً من أن يفتوا بشرع الله تعالى فيوصفون بالإرهاب والتطرف والتشدد، يفتون الناس بغير شرع الله؛ بل يحللون الحرام ويحرمون الحلال والعياذ بالله! سئل بعضهم في مجلة الشباب -كما حدثني من أثق بنقلهم- عن التدخين: أحرام هو أم حلال؟ فقال: إذا كان الموظف مرتبه مائة جنيه فهو حرام عليه، لكن إذا كان دخله كبيراً فلا بأس بالتدخين!! أهذه فتوى؟ وعلى ضوئها نستطيع أن نقول: إذا كان الموظف مرتبه مائة جنية فلا يشرب الخمر، وإذا كان مرتبه أكثر فلا بأس أن يشرب الخمر!! فما هو أصل القياس الصحيح الذي يجعلنا نلحق هذا الدخان بالخمر، ولو من وجه أو وجهين؟! ولماذا لا يريد أن يقول: إن التدخين حرام؟ لو أن الأطباء اجتمعوا، وجميع منسوبي وزارة الصحة، وأخرجوا لنا تقريراً بأن التدخين مضر؛ فسوف نحرمه، ومع هذا فإن كل المجامع الطبية العالمية بما فيها المجامع المصرية في بلادنا، ووزارة الصحة، تقاريرها الرسمية وغير الرسمية تقول: إن التدخين مضر جداً بالصحة، وهذا الكلام يكتب على علب السجائر بأمر من القانون، وإلا فإن أصحاب المصانع لا يريدون كتابة هذه العبارة، لكنهم مجبورون من قبل القانون.
إذاً: مذهب الدولة الرسمي في السجائر أنها ضارة جداً بالصحة، والمفتي الذي أفتى بهذه الفتوى له فتوى بتحريم الدخان، وهي موجودة عندي، لكنه يفتي كل سنة بفتوى ثم يتراجع عنها، كما أفتى في رمضان أن نصوم مع السعودية، ثم أفتى بأن لكل بلد مطلعه، وإلى الآن لم يبتوا فيها، مع أن المسألة عند أي رجل عنده قدر من أصول الشريعة، لا يتردد على الإطلاق في الأخذ باتحاد المقال، رعاية لمصالح المسلمين.
فأنت عندما تشتري هذه الصحف وفيها مثل هذا الكلام، وتقرأ فيها مثل هذه الفتاوى التي لا يحكمها خطام ولا زمام، ولا ترجع إلى أصل صحيح، فمن حيث أردت الخير لدغك ثعبان، فلابد أن تصون نفسك ومالك، فبدلاً من أن تشتري هذه الصحف بأربعين قرشاً، تصدق بها على مسكين خير لك.
والله الذي لا إله غيره لقد اتصلت بي في الأسبوع الماضي أسرة تبكي لأنها لا تجد شيئاًَ، ويبيتون على الطوى، ولا يوجد في البيت كسرة خبز، وليس عندهم رجل يعولهم، كلهم نساء، فعندما قلنا لبعض الناس: اذهبوا إلى البيت الفلاني واعملوا كذا قال: إن المرأة قبلت قدمه، وظل النساء يبكين طوال الفترة وهو يعطيهن ما يسد رمقهن ويشبع جوعتهن، وقد كانوا أصحاب عز، ولكن أباهم مات، والعم أكل الميراث في قصة معروفة، وبقيت المرأة وبناتها يبيتون على الطوى لا يجدون رغيف خبز يأكلونه.
إذاً: الأربعون قرشاً سوف تشتري بها ثمانية أرغفة، وسوف تطعم بها أربعة أو خمسة جائعين، وتكون قد ادخرتها لنفسك، فأنفق من مالك فإن أولادك لن ينفعوك إذا لم يكونوا ملتزمين بأمر الله تعالى، إنهم سيختصمون في الميراث وأنت ما زلت جثة ساخنة، وبعد أن تدفن سيرجعون ويقتتلون على الميراث ولن يترحموا عليك.
لقد حضرت مرة مشاجرة بين أصحاب ميراث، مع أن أباهم لم يكن له إلا أربعون يوماً منذ أن مات، وإذا بالولد يصيح ويغضب، ويريد الدنيا، ويريد أن يتزوج قبل تقسيم الميراث، ويريد كذلك سيارة أسوة بإخوته، ويقول: إن أباه ظالم، إنه كان يعطي لفلان وفلاناً وتركني، ولم أكن أعرف أنه سيموت، وإلا فإنه كان سيعطيني وأخته تقول له: يا أخي! هذا أبوك لم يمر عليه إلا أيام، فقال: الله يرحمه، لا تجعليني أغلط عليه!! فهل يستحق هذا الولد شربة ماء؟! هل يستحق أن تترك له جنيهاً واحداً؟! لقد حرم الأب نفسه من الطيبات والمأكولات والمشروبات، بل حتى من الصدقة؛ كي يورث لابنه شيئاً، وإذا به بعد موت أبيه يفعل هكذا!! فينبغي أن تكثر من صدقة السر؛ فإن هذا هو الحساب الجاري الذي ستتركه لنفسك، وعندما تموت سوف تلقى ما أنفقت أمامك، وأنت وحدك الذي ستنتفع به، وبهذا تكون قد تركت لأولادك شيئاً ونفعت نفسك أيضاً.
إذاً: الزجر بالهجر ضرورة شرعية، نحن في أمس الحاجة إليها في هذا العصر، فابنك الذي لا يصلي لا تجلس معه، ولا يأكل معك على مائدة واحدة، ولا تسوي بينه وبين الذي يصلي في الهبة، فالولد الذي يصلي أعطه وأكرمه، والذي لا يصلي لا تعطه؛ لأن عطاءك إنما هو بالموالاة لله عز وجل، فمن كان ولياً لله واليناه، ومن كان عدواً لله عاديناه.
وكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : الولاء والبراء إنما هو على قدر الخير والشر في الإنسان، يوالى بقدر ما فيه من الخير، ويعادى ويهجر على قدر ما فيه من الشر.
وإذا عرف ابنك أنك ستطرده، وأنك لن تسامحه على الإطلاق في مسألة ترك الصلاة، فهل سيتمادى؟ لا.
إذاً: الزجر بالهجر قاعدة من قواعد الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ينبغي أن نحييها في مجتمعاتنا.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
من محاضره لشيخنا ابي اسحاق الحويني
بارك الله فيه وحفظه
الثلاثاء أغسطس 27, 2013 10:10 am من طرف سوس
» طريقه وضع توقيع فلاش
الجمعة يوليو 05, 2013 11:57 am من طرف fidou
» صيام ثلاثة أيام= صيام السنة كلها
الجمعة يوليو 05, 2013 10:56 am من طرف fidou
» ولا ذبابة.. !
الجمعة يوليو 05, 2013 10:52 am من طرف fidou
» يستحق الحب .. إنه نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم
الجمعة يوليو 05, 2013 10:51 am من طرف fidou
» محفظ ٌ قرآن معتمد أونلاين
الجمعة يوليو 05, 2013 10:47 am من طرف fidou
» فضائل شهر رمضان
الجمعة يوليو 05, 2013 10:26 am من طرف fidou
» هل تريد النصر؟
الإثنين سبتمبر 10, 2012 8:40 pm من طرف أم محمود
» إجازة معتمده فى القراءات العشر عبر النت
الجمعة يونيو 29, 2012 12:03 am من طرف إجازه معتمده اونلاين
» اسرع إجازة عبر الإنترنت فى شهر متصلة السند بالرسول
الخميس يونيو 28, 2012 11:40 pm من طرف إجازه معتمده اونلاين
» منتديات دروبي عالمي الأسلأمي الدعوية اريد ان ادعوكم للمنتدايhttp://rfiaaildilrarb.7olm.org/
الإثنين يونيو 25, 2012 3:29 am من طرف ناصر السنة
» .~* وَسَقَطَت وَرِقه مَن شَجَرَة الْعُمُر *~.
الثلاثاء يونيو 19, 2012 10:09 pm من طرف •°حہيآئيٌ آآيہُمانيً°•
» !الأب مشغول..والأم فى الأسواق!
الثلاثاء يونيو 19, 2012 9:53 pm من طرف •°حہيآئيٌ آآيہُمانيً°•
» ...حب دينك سبب ثباتك عليه...
الثلاثاء يونيو 19, 2012 9:28 pm من طرف •°حہيآئيٌ آآيہُمانيً°•
» حاسـوبي الأفضـل بين الحواسيب
الثلاثاء يونيو 19, 2012 9:03 pm من طرف •°حہيآئيٌ آآيہُمانيً°•
» ! رساله الى أصحاب الوجوه العابسه !
الثلاثاء يونيو 19, 2012 8:52 pm من طرف •°حہيآئيٌ آآيہُمانيً°•
» صيام الأيام البيض لشهر رجب 1433
الجمعة يونيو 01, 2012 3:16 pm من طرف انور ابو البصل
» صيام الأيام البيض لشهر جمادى الاخرة 1433
الخميس مايو 03, 2012 3:49 am من طرف انور ابو البصل
» صيام الأيام البيض لهذا الشهر ربيع الثاني 1433
الإثنين مارس 05, 2012 3:20 pm من طرف انور ابو البصل
» صيام الأيام البيض لشهر ربيع الأول 1433
السبت فبراير 04, 2012 2:16 pm من طرف انور ابو البصل
» حلول قساوة القلوب
السبت يناير 28, 2012 1:29 pm من طرف انور ابو البصل
» لمن يريد دعوة شخص أجنبي للإسلام
السبت يناير 28, 2012 1:56 am من طرف الكعبة روحى
» علاج السرحان في الصلاة
السبت يناير 14, 2012 7:08 pm من طرف wegdan
» اسماء وصفات الله عز وجل
الخميس يناير 12, 2012 3:30 pm من طرف ا.عمرو
» اجعل الله همك يكفك ما اهمك
الخميس يناير 12, 2012 1:49 pm من طرف wegdan
» روائع الكلام
الخميس يناير 12, 2012 12:18 am من طرف ا.عمرو
» العبرة بالنهاية
الأربعاء يناير 11, 2012 7:06 pm من طرف ابومحمودعماد محمود
» مخطط جورج سوروس الذي يدافع عنه البرادعي لاختطاف الثورة المصرية
السبت يناير 07, 2012 9:27 am من طرف ا.عمرو