غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- وتكفينه ودفنه
وفاته
غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن قام به:
لما تيقن المسلمون من وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- إثر ذلك الخلاف العظيم الذي دب بينهم حول حقيقة موته -صلى الله عليه وسلم-؛ واجهتهم مشكلة أخرى أطلت عليهم برأسها وهي كيفية تغسيله -صلى الله علي وسلم-، فختلفوا في ذلك أيضاً، وأصابتهم الحيرة والقلق؛ هل يجردوه -صلى الله علي وسلم-، من ثيابه عند غسله كما يفعلون مع غيره من الموتى، أم يغسلوه وعليه ثيابه كرامة له -صلى الله عليه وسلم-.
قالت عائشة: لما أرادوا غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- قالوا: ما ندري أنجرده من ثيابه كما نجرد موتانا، أو نغسله وعليه ثيابه، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره فكلمهم مكلمٌ من ناحية البيت لا يدرون من هو!!: أن اغسلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه ثيابه، فغسلوه، وعليه قميصه؛ يصبون الماء فوق القميص، ويدلكون بالقميص دون أيديهم. قالت عائشة: لو استقبلت من أمري ما استدبرتُ ماغسَّله إلا نساؤه(1).
وروى البيهقي في الدلائل عن محمد بن علي أبي جعفر قال: غُسِّل النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثاً بالسدر، وغُسِّ وعليه قميص، وغُسِّل من بئر يقال لها الغرس بقباء، كانت لسعد بن خيثمة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشرب منها، وولي سفلته علي، والفضل محتضنه، والعباس يصبُ الماء فجعل الفضل يقول: أرحني قطعت وتيني إني لأجد شيئاً يترطلُ علي(2).
قال الألباني في الجنائز: وفي مرسل الشعبي أنه غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع علي رضي الله عنه: الفضلُ -يعني ابن العباس- وأسامة بن زيد، أخرجه أبو داود، وسنده صحيح مرسل(3).
كفن الرسول -صلى الله عليه وسلم-
عن عائشة قالت كفن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثلاثة أثواب بيض سحولية(4) من كرسف(5) ليس فيها قميص ولا عمامة(6).
وقالت -رضي الله عنها-: أُدرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حلة يمنية كانت لعبد الله بن أبي بكر ثم نزعت عنه وكفن في ثلاثة أثواب سحول يمانية ليس فيها عمامة ولا قميص، فرفع عبد الله الحلة، فقال: أكفن فيها، ثم قال: لم يكفن فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأكفن فيها فتصدق بها(7).
وفي رواية أخرى: فأخذها عبد الله بن أبي بكر فقال: لأحبسنها حتى أكفن فيها نفسي، ثم قال: لو رضيها الله -عز وجل- لنبيه لكفنه فيها، فباعها وتصدق بثمنها(.
وفي رواية: أنه -صلى الله عليه وسلم- حين توفي سُجِّي(9) ببرد (10)حِبَرة(11) ألا أن عائشة قالت لما ذكروا لها بردين وثوب حبرة: قد أُتي بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه(12).
الصلاة عليه صلى الله عليه سلم
روى الحافظ البيهقي في الدلائل عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: لما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أُدخل الرجال فصلوا عليه بغير إمام أرسالاً، حتى فرغوا، ثم أدخل النساء فصلين عليه، ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه، ثم أدخل العبيد فصلوا عليه أرسالاً، لم يؤمهم على رسول الله أحد(13).
وفي المسند أن أبا عسيب شهد الصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا: كيف صُلي عليه؟ قال: أدخلوا أرسالاً أرسالاً، قال: فكانوا يدخلون من هذا الباب فيصلون عليه ثم يخرجون من الباب الآخر(14).
وروى ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال: لما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وضع على سريره، فكان الناس يدخلون زمراً زمراً يصلون عليه ويخرجون ولم يؤمنهم أحد، وتوفي يوم الاثنين، ودفن الثلاثاء -صلى الله عليه وسلم-(15).
قال الحافظ ابن كثير: وهذا الصنيع، وهو صلاتهم عليه فرادى لم يرمهم أحد عليه، أمرٌ مجمع عليه لا خلاف فيه(16).
تعليل صلاتهم عليه -صلى الله عليه وسلم- فرادى:
قال الشافعي -رحمه الله في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بغير إمام-: وذلك لِعُظْمِ أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأبي هو وأمي، وتنافُسُهم على أن لا يتولى الإمامة في الصلاة عليه أحد. رواه البيهقي في السنن الكبرى (4/30).
وقيل: إنه كان آخر العهد برسول الله -صلى الله علي وسلم-، فأراد كل واحد مهم أن يأخذ البركة بالصلاة عليه مُخْتصاً به دون أن يكون فيها تابعاً لغيره سلوة الكئيب بوفاة الحبيب ص 148.
وقال ابن كثير -رحمه الله- في "البداية والنهاية" (5/232) معللاً صلاتهم عليه -صلى الله عليه وسلم- فرادى: (وهذا الصنيع - وهو صلاتهم عليه فرادى لم يؤمهم أحد عليه- أمر مجمع عليه، لا خلاف فيه، وقد اختلف في تعليله... وليس لأحد أن يقول: لأنه لم يكن لهم إمام، لأنا قد قدمنا أنهم إنما شرعوا في تجهيزه -عليه السلام- بعد تمام بيعة أبي بكر -رضي الله عنه- وأرضاه. وقد قال بعض العلماء: إنما لم يؤمهم عليه أحد ليباشر كل واحد من الناس الصلاة عليه منه إليه، ولتكرر صلاة المسلمين عليه مرة بعد مرة، من كل فرد من آحاد الصحابة، رجالهم ونسائهم وصبيانهم، حتى العبيد والإماء، وأما السهيلي فقال ما حاصله: إن الله قد أخبر أنه وملائكته يصلون عليه، وأمر كل واحد من المؤمنين أن يباشر الصلاة عليه منه إليه، والصلاة عليه بعد موته من هذا القبيل، قال: وأيضاً فإن الملائكة لنا في ذلك أئمة، والله أعلم).أهـ
فائـدة:
قال الحاكم أبو أحمد: فكان أولهم عليه صلاة العباس عمه، ثم بنو هاشم ثم المهاجرون، ثم الأنصار، ثم سائر الناس، فلما فرغ الرجال صلى الصبيان، ثم النساء(17).
دفنه -صلى الله عليه وسلم-
أولاً: المكان الذي دفن فيه -صلى الله عليه وسلم-:
اختلف المسلمون في موقع دفنه، فقال بعضهم: يدفن عند المنبر، وقال آخرون: بالبقيع، وقال قائل في مصلاه(18). فجاء أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، فحسم مادة هذا الخلاف أيضاً بما سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قالت عائشة وابن عباس: لما قُبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وغسل اختلفوا في دفنه، فقال أبو بكر: ما نسيتُ ما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ما قبض اللهُ نبياً إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه، ادفنوه في موضع فراشه)(19).
قال الحافظ ابن كثير: وهذا هو المتواتر تواتراً ضرورياً معلوماً من الدفن الذي هو اليوم داخل مسجد المدينة(20).
وقال أيضاً في "البداية والنهاية": قد علم بالتواتر أنه -صلى الله عليه وسلم- دفن في حجرة عائشة التي كانت تختص بها، شرقي مسجده في الزاوية الغربية القبلية من الحجرة، ثم دفن فيها أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما(21). أهـ
فائـدة:
ودفنه -صلى الله عليه وسلم- في موضع موته من خصائص الأنبياء -عليهم السلام-، قال شيخ الحديث الكاندهلوي: ولذا سأل موسى ربه عند موته أن يدنيه من الأرض المقدسة، لأنه لا يمكن نقله إليها بعد موته، بخلاف غير الأنبياء فينتقلون من بيوتهم إلى المدائن، فهذا من خصائص الأنبياء كما ذكره غير واحد(22). أهـ
وقال الشيخ الألباني: والسنة الدفن في المقبرة لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدفن الموتى في مقبرة البقيع، كما تواترت الأخبار بذلك، ولم ينقل إلينا عن أحد من السلف أنه دفن في غير المقبرة، إلا ما تواتر أيضاً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دفن في حجرته، وذلك من خصوصياته عليه الصلاة والسلام(23).
ثانياً: في لحد قبره -صلى الله عليه وسلم-:
قال أنس بن مالك -رضي الله عنه- لما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- كان بالمدينة رجل يلحَدُ(24) وآخر يضْرَحُ(25) فقالوا: نستخيرُ ربنا ونبعث إليهما، فسبق صاحب اللحد، فلحدوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-(26).
وعن عائشة -رضي الله عنهما- قالت: لما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، اختلفوا في اللحدِ والشق، حتى تكلموا في ذلك وارتفعت أصواتهم، فقال عمر: لا تصخَبوا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حياً ولا ميتاً، أو كلمة نحوها، فأرسلوا إلى الشقَّاق واللاحد جميعاً، فجاء اللاحد فلحد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم دفن -صلى الله عليه وسلم-(27).
وعن عروة مرسلاً: كان في المدينة رجلان أحدهما يلحدُ، والأخر يشقُّ، فقالوا: أيهما جاء أولاً عمل عمله، فجاء الذي يلحد فلحد له(28).
وعن ابن عباس بسند ضعيف: لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثوا إلى أبي عبيدة بن الجراح، وكان يَضْرَحُ كضرح أهل مكة، وبعثوا إلى أبي طلحة –زيد بن سهل الأنصاري رضي الله عنه- وكان هو الذي يحفر لأهل المدينة، وكان يلحَدُ، فبعثوا إليهما رسولين فقالوا: اللهم خِرْ لرسولك، فوجدوا أبا طلحة فجيء به، ولم يوجد أبو عبيدة، فلحد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-(29).
ثالثاً: من باشر دفنه -صلى الله عليه وسلم-:
قال محمد بن إسحاق: وكان الذين نزلوا في قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب، والفضل بن عباس، وقُثم بن عباس، وشقران مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-(30).
وزاد النووي(31) والمقدسي(32): العباس.
قال النووي -رحمه الله- ويقال: كان أسامة بن زيد، وأوس بن خَوْلى(33) معهم، ودُفن في اللحد، وبني عليه -صلى الله عليه وسلم- في لحده اللَّبن، يُقال إنها تسع لبنات، ثم أهالوا التراب(34).
قال المقدسي -رحمه الله- وفرش تحته -صلى الله عليه وسلم- قطيفة حمراء كان يتغطى بها، وقد أشار إلى ذلك ابن عباس -رضي الله عنه- كما عند مسلم وغيره(35).
والقطيفة هي كساء له خمل. النهاية (4/84).
وقد بين العلماء أن الذي وضع القطيفة هو شقران مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دون علم من الصحابة -رضي الله عنهم-، ولذلك ذهب الجمهور إلى كراهة وضع شيء في القبر تحت الميت، قال النووي: وقد نص الشافعي وجميع أصحابنا وغيرهم من العلماء على كراهة وضع قطيفة أو مخدة ونحو ذلك تحت الميت في القبر، وشذ عنهم البغوي من أصحابنا، والصواب كراهته لما قال الجمهور، وأجابوا عن هذا الحديث بأن شقران انفرد بفعل ذلك لم يوافقه غيره من الصحابة، ولا علموا ذلك، وإنما فعله شقران لما ذكرناه عنه من كراهته أن يلبسها أحد بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يلبسها ويفترشها، فلم تطب نفس شقران أن يستبدلها أحد بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وخالفه غيره فروى البيهقي عن ابن عباس أنه كره أن يجعل تحت الميت ثوب في قبره. والله أعلم(36). أهـ
رابعاً: متى دفن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟!
ذهب كثير من العلماء إلى أنه -صلى الله عليه وسلم- دفن ليلة الأربعاء قال الحافظ ابن كثير: والمشهور عن الجمهور ما أسلفناه من أنه -عليه السلام- توفي يوم الإثنين ودفن ليلة الأربعاء(37).
لا تنسي ذكر الله والصلاه والسلام علي حبيبه محمد وعلي اهله واصحابه اجمعين
وفاته
غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن قام به:
لما تيقن المسلمون من وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- إثر ذلك الخلاف العظيم الذي دب بينهم حول حقيقة موته -صلى الله عليه وسلم-؛ واجهتهم مشكلة أخرى أطلت عليهم برأسها وهي كيفية تغسيله -صلى الله علي وسلم-، فختلفوا في ذلك أيضاً، وأصابتهم الحيرة والقلق؛ هل يجردوه -صلى الله علي وسلم-، من ثيابه عند غسله كما يفعلون مع غيره من الموتى، أم يغسلوه وعليه ثيابه كرامة له -صلى الله عليه وسلم-.
قالت عائشة: لما أرادوا غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- قالوا: ما ندري أنجرده من ثيابه كما نجرد موتانا، أو نغسله وعليه ثيابه، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره فكلمهم مكلمٌ من ناحية البيت لا يدرون من هو!!: أن اغسلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه ثيابه، فغسلوه، وعليه قميصه؛ يصبون الماء فوق القميص، ويدلكون بالقميص دون أيديهم. قالت عائشة: لو استقبلت من أمري ما استدبرتُ ماغسَّله إلا نساؤه(1).
وروى البيهقي في الدلائل عن محمد بن علي أبي جعفر قال: غُسِّل النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثاً بالسدر، وغُسِّ وعليه قميص، وغُسِّل من بئر يقال لها الغرس بقباء، كانت لسعد بن خيثمة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشرب منها، وولي سفلته علي، والفضل محتضنه، والعباس يصبُ الماء فجعل الفضل يقول: أرحني قطعت وتيني إني لأجد شيئاً يترطلُ علي(2).
قال الألباني في الجنائز: وفي مرسل الشعبي أنه غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع علي رضي الله عنه: الفضلُ -يعني ابن العباس- وأسامة بن زيد، أخرجه أبو داود، وسنده صحيح مرسل(3).
كفن الرسول -صلى الله عليه وسلم-
عن عائشة قالت كفن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثلاثة أثواب بيض سحولية(4) من كرسف(5) ليس فيها قميص ولا عمامة(6).
وقالت -رضي الله عنها-: أُدرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حلة يمنية كانت لعبد الله بن أبي بكر ثم نزعت عنه وكفن في ثلاثة أثواب سحول يمانية ليس فيها عمامة ولا قميص، فرفع عبد الله الحلة، فقال: أكفن فيها، ثم قال: لم يكفن فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأكفن فيها فتصدق بها(7).
وفي رواية أخرى: فأخذها عبد الله بن أبي بكر فقال: لأحبسنها حتى أكفن فيها نفسي، ثم قال: لو رضيها الله -عز وجل- لنبيه لكفنه فيها، فباعها وتصدق بثمنها(.
وفي رواية: أنه -صلى الله عليه وسلم- حين توفي سُجِّي(9) ببرد (10)حِبَرة(11) ألا أن عائشة قالت لما ذكروا لها بردين وثوب حبرة: قد أُتي بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه(12).
الصلاة عليه صلى الله عليه سلم
روى الحافظ البيهقي في الدلائل عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: لما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أُدخل الرجال فصلوا عليه بغير إمام أرسالاً، حتى فرغوا، ثم أدخل النساء فصلين عليه، ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه، ثم أدخل العبيد فصلوا عليه أرسالاً، لم يؤمهم على رسول الله أحد(13).
وفي المسند أن أبا عسيب شهد الصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا: كيف صُلي عليه؟ قال: أدخلوا أرسالاً أرسالاً، قال: فكانوا يدخلون من هذا الباب فيصلون عليه ثم يخرجون من الباب الآخر(14).
وروى ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال: لما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وضع على سريره، فكان الناس يدخلون زمراً زمراً يصلون عليه ويخرجون ولم يؤمنهم أحد، وتوفي يوم الاثنين، ودفن الثلاثاء -صلى الله عليه وسلم-(15).
قال الحافظ ابن كثير: وهذا الصنيع، وهو صلاتهم عليه فرادى لم يرمهم أحد عليه، أمرٌ مجمع عليه لا خلاف فيه(16).
تعليل صلاتهم عليه -صلى الله عليه وسلم- فرادى:
قال الشافعي -رحمه الله في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بغير إمام-: وذلك لِعُظْمِ أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأبي هو وأمي، وتنافُسُهم على أن لا يتولى الإمامة في الصلاة عليه أحد. رواه البيهقي في السنن الكبرى (4/30).
وقيل: إنه كان آخر العهد برسول الله -صلى الله علي وسلم-، فأراد كل واحد مهم أن يأخذ البركة بالصلاة عليه مُخْتصاً به دون أن يكون فيها تابعاً لغيره سلوة الكئيب بوفاة الحبيب ص 148.
وقال ابن كثير -رحمه الله- في "البداية والنهاية" (5/232) معللاً صلاتهم عليه -صلى الله عليه وسلم- فرادى: (وهذا الصنيع - وهو صلاتهم عليه فرادى لم يؤمهم أحد عليه- أمر مجمع عليه، لا خلاف فيه، وقد اختلف في تعليله... وليس لأحد أن يقول: لأنه لم يكن لهم إمام، لأنا قد قدمنا أنهم إنما شرعوا في تجهيزه -عليه السلام- بعد تمام بيعة أبي بكر -رضي الله عنه- وأرضاه. وقد قال بعض العلماء: إنما لم يؤمهم عليه أحد ليباشر كل واحد من الناس الصلاة عليه منه إليه، ولتكرر صلاة المسلمين عليه مرة بعد مرة، من كل فرد من آحاد الصحابة، رجالهم ونسائهم وصبيانهم، حتى العبيد والإماء، وأما السهيلي فقال ما حاصله: إن الله قد أخبر أنه وملائكته يصلون عليه، وأمر كل واحد من المؤمنين أن يباشر الصلاة عليه منه إليه، والصلاة عليه بعد موته من هذا القبيل، قال: وأيضاً فإن الملائكة لنا في ذلك أئمة، والله أعلم).أهـ
فائـدة:
قال الحاكم أبو أحمد: فكان أولهم عليه صلاة العباس عمه، ثم بنو هاشم ثم المهاجرون، ثم الأنصار، ثم سائر الناس، فلما فرغ الرجال صلى الصبيان، ثم النساء(17).
دفنه -صلى الله عليه وسلم-
أولاً: المكان الذي دفن فيه -صلى الله عليه وسلم-:
اختلف المسلمون في موقع دفنه، فقال بعضهم: يدفن عند المنبر، وقال آخرون: بالبقيع، وقال قائل في مصلاه(18). فجاء أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، فحسم مادة هذا الخلاف أيضاً بما سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قالت عائشة وابن عباس: لما قُبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وغسل اختلفوا في دفنه، فقال أبو بكر: ما نسيتُ ما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ما قبض اللهُ نبياً إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه، ادفنوه في موضع فراشه)(19).
قال الحافظ ابن كثير: وهذا هو المتواتر تواتراً ضرورياً معلوماً من الدفن الذي هو اليوم داخل مسجد المدينة(20).
وقال أيضاً في "البداية والنهاية": قد علم بالتواتر أنه -صلى الله عليه وسلم- دفن في حجرة عائشة التي كانت تختص بها، شرقي مسجده في الزاوية الغربية القبلية من الحجرة، ثم دفن فيها أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما(21). أهـ
فائـدة:
ودفنه -صلى الله عليه وسلم- في موضع موته من خصائص الأنبياء -عليهم السلام-، قال شيخ الحديث الكاندهلوي: ولذا سأل موسى ربه عند موته أن يدنيه من الأرض المقدسة، لأنه لا يمكن نقله إليها بعد موته، بخلاف غير الأنبياء فينتقلون من بيوتهم إلى المدائن، فهذا من خصائص الأنبياء كما ذكره غير واحد(22). أهـ
وقال الشيخ الألباني: والسنة الدفن في المقبرة لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدفن الموتى في مقبرة البقيع، كما تواترت الأخبار بذلك، ولم ينقل إلينا عن أحد من السلف أنه دفن في غير المقبرة، إلا ما تواتر أيضاً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دفن في حجرته، وذلك من خصوصياته عليه الصلاة والسلام(23).
ثانياً: في لحد قبره -صلى الله عليه وسلم-:
قال أنس بن مالك -رضي الله عنه- لما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- كان بالمدينة رجل يلحَدُ(24) وآخر يضْرَحُ(25) فقالوا: نستخيرُ ربنا ونبعث إليهما، فسبق صاحب اللحد، فلحدوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-(26).
وعن عائشة -رضي الله عنهما- قالت: لما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، اختلفوا في اللحدِ والشق، حتى تكلموا في ذلك وارتفعت أصواتهم، فقال عمر: لا تصخَبوا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حياً ولا ميتاً، أو كلمة نحوها، فأرسلوا إلى الشقَّاق واللاحد جميعاً، فجاء اللاحد فلحد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم دفن -صلى الله عليه وسلم-(27).
وعن عروة مرسلاً: كان في المدينة رجلان أحدهما يلحدُ، والأخر يشقُّ، فقالوا: أيهما جاء أولاً عمل عمله، فجاء الذي يلحد فلحد له(28).
وعن ابن عباس بسند ضعيف: لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثوا إلى أبي عبيدة بن الجراح، وكان يَضْرَحُ كضرح أهل مكة، وبعثوا إلى أبي طلحة –زيد بن سهل الأنصاري رضي الله عنه- وكان هو الذي يحفر لأهل المدينة، وكان يلحَدُ، فبعثوا إليهما رسولين فقالوا: اللهم خِرْ لرسولك، فوجدوا أبا طلحة فجيء به، ولم يوجد أبو عبيدة، فلحد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-(29).
ثالثاً: من باشر دفنه -صلى الله عليه وسلم-:
قال محمد بن إسحاق: وكان الذين نزلوا في قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب، والفضل بن عباس، وقُثم بن عباس، وشقران مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-(30).
وزاد النووي(31) والمقدسي(32): العباس.
قال النووي -رحمه الله- ويقال: كان أسامة بن زيد، وأوس بن خَوْلى(33) معهم، ودُفن في اللحد، وبني عليه -صلى الله عليه وسلم- في لحده اللَّبن، يُقال إنها تسع لبنات، ثم أهالوا التراب(34).
قال المقدسي -رحمه الله- وفرش تحته -صلى الله عليه وسلم- قطيفة حمراء كان يتغطى بها، وقد أشار إلى ذلك ابن عباس -رضي الله عنه- كما عند مسلم وغيره(35).
والقطيفة هي كساء له خمل. النهاية (4/84).
وقد بين العلماء أن الذي وضع القطيفة هو شقران مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دون علم من الصحابة -رضي الله عنهم-، ولذلك ذهب الجمهور إلى كراهة وضع شيء في القبر تحت الميت، قال النووي: وقد نص الشافعي وجميع أصحابنا وغيرهم من العلماء على كراهة وضع قطيفة أو مخدة ونحو ذلك تحت الميت في القبر، وشذ عنهم البغوي من أصحابنا، والصواب كراهته لما قال الجمهور، وأجابوا عن هذا الحديث بأن شقران انفرد بفعل ذلك لم يوافقه غيره من الصحابة، ولا علموا ذلك، وإنما فعله شقران لما ذكرناه عنه من كراهته أن يلبسها أحد بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يلبسها ويفترشها، فلم تطب نفس شقران أن يستبدلها أحد بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وخالفه غيره فروى البيهقي عن ابن عباس أنه كره أن يجعل تحت الميت ثوب في قبره. والله أعلم(36). أهـ
رابعاً: متى دفن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟!
ذهب كثير من العلماء إلى أنه -صلى الله عليه وسلم- دفن ليلة الأربعاء قال الحافظ ابن كثير: والمشهور عن الجمهور ما أسلفناه من أنه -عليه السلام- توفي يوم الإثنين ودفن ليلة الأربعاء(37).
لا تنسي ذكر الله والصلاه والسلام علي حبيبه محمد وعلي اهله واصحابه اجمعين
الثلاثاء أغسطس 27, 2013 10:10 am من طرف سوس
» طريقه وضع توقيع فلاش
الجمعة يوليو 05, 2013 11:57 am من طرف fidou
» صيام ثلاثة أيام= صيام السنة كلها
الجمعة يوليو 05, 2013 10:56 am من طرف fidou
» ولا ذبابة.. !
الجمعة يوليو 05, 2013 10:52 am من طرف fidou
» يستحق الحب .. إنه نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم
الجمعة يوليو 05, 2013 10:51 am من طرف fidou
» محفظ ٌ قرآن معتمد أونلاين
الجمعة يوليو 05, 2013 10:47 am من طرف fidou
» فضائل شهر رمضان
الجمعة يوليو 05, 2013 10:26 am من طرف fidou
» هل تريد النصر؟
الإثنين سبتمبر 10, 2012 8:40 pm من طرف أم محمود
» إجازة معتمده فى القراءات العشر عبر النت
الجمعة يونيو 29, 2012 12:03 am من طرف إجازه معتمده اونلاين
» اسرع إجازة عبر الإنترنت فى شهر متصلة السند بالرسول
الخميس يونيو 28, 2012 11:40 pm من طرف إجازه معتمده اونلاين
» منتديات دروبي عالمي الأسلأمي الدعوية اريد ان ادعوكم للمنتدايhttp://rfiaaildilrarb.7olm.org/
الإثنين يونيو 25, 2012 3:29 am من طرف ناصر السنة
» .~* وَسَقَطَت وَرِقه مَن شَجَرَة الْعُمُر *~.
الثلاثاء يونيو 19, 2012 10:09 pm من طرف •°حہيآئيٌ آآيہُمانيً°•
» !الأب مشغول..والأم فى الأسواق!
الثلاثاء يونيو 19, 2012 9:53 pm من طرف •°حہيآئيٌ آآيہُمانيً°•
» ...حب دينك سبب ثباتك عليه...
الثلاثاء يونيو 19, 2012 9:28 pm من طرف •°حہيآئيٌ آآيہُمانيً°•
» حاسـوبي الأفضـل بين الحواسيب
الثلاثاء يونيو 19, 2012 9:03 pm من طرف •°حہيآئيٌ آآيہُمانيً°•
» ! رساله الى أصحاب الوجوه العابسه !
الثلاثاء يونيو 19, 2012 8:52 pm من طرف •°حہيآئيٌ آآيہُمانيً°•
» صيام الأيام البيض لشهر رجب 1433
الجمعة يونيو 01, 2012 3:16 pm من طرف انور ابو البصل
» صيام الأيام البيض لشهر جمادى الاخرة 1433
الخميس مايو 03, 2012 3:49 am من طرف انور ابو البصل
» صيام الأيام البيض لهذا الشهر ربيع الثاني 1433
الإثنين مارس 05, 2012 3:20 pm من طرف انور ابو البصل
» صيام الأيام البيض لشهر ربيع الأول 1433
السبت فبراير 04, 2012 2:16 pm من طرف انور ابو البصل
» حلول قساوة القلوب
السبت يناير 28, 2012 1:29 pm من طرف انور ابو البصل
» لمن يريد دعوة شخص أجنبي للإسلام
السبت يناير 28, 2012 1:56 am من طرف الكعبة روحى
» علاج السرحان في الصلاة
السبت يناير 14, 2012 7:08 pm من طرف wegdan
» اسماء وصفات الله عز وجل
الخميس يناير 12, 2012 3:30 pm من طرف ا.عمرو
» اجعل الله همك يكفك ما اهمك
الخميس يناير 12, 2012 1:49 pm من طرف wegdan
» روائع الكلام
الخميس يناير 12, 2012 12:18 am من طرف ا.عمرو
» العبرة بالنهاية
الأربعاء يناير 11, 2012 7:06 pm من طرف ابومحمودعماد محمود
» مخطط جورج سوروس الذي يدافع عنه البرادعي لاختطاف الثورة المصرية
السبت يناير 07, 2012 9:27 am من طرف ا.عمرو