فقد روى حُذَيْفَة بن اليَمَان - رضي الله عنهما - قال: "كنَّا عند عمر، فقال: أيكم سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الفتن؟ فقال قومٌ: نحن سمعناه، فقال: لعلكم تعْنُونَ فِتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل، قال: تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة؛ ولكن أيكم سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر الفتن التي تموجُ موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القومُ، فقلت: أنا، قال: أنت، لله أبوك! قال حذيفة: سمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((تُعْرَضُ الفتن على القلوب؛ كالحصير عودًا عودًا، فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَ فيه نكتةٌ سوداء، وأيُّ قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنةٌ ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مُرْبَادًّا؛كالكوز مُجَخِّيًا، لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، إلا ما أُشْرِبَ من هواه))، قال حذيفة: "وحدَّثته أنَّ بينك وبينها بابًا مغلقًا يوشك أن يُكسر، قال عمر: أكسرًا لا أبا لك، فلو فُتح لعله كان يعاد، قلت: لا، بل يكسر، وحدثته أن ذلك الباب رجلٌ يُقتل أو يموت، حديثًا ليس بالأغاليط"؛ أخرجه مسلم
لقد حرص عمر - رضي الله عنه - على معرفة أخبار الفتن حتى يتوقاها، وأخبرهم أنه لا يريد معرفة فتنة الرجل الخاصة في أهله؛ وإنما يريد معرفة الفتنة العامة.
وقد أثبت الحديث أن أهل الرجل فتنةٌ له، وفتنته في أهله وماله وولده على ضروب عدة: من فرط محبته لهم، وشحه عليهم، وشغله بهم عن كثير من الخير، وفي هذه المعاني قال الله - تعالى -: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15]، وفي الحديث الصحيح قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((الولد مبخلة مجبنة))؛ أخرجه أحمد
فهذا وجه من الفِتْنَة بهم.
ووجه آخر: وهو تفريطه بما يلزم من القيام بحقوقهم، وتأديبهم وتعليمهم؛ فإنه راعٍ لهم ومسؤول عن رعيته، وكذلك فتنة الرجل في جاره من هذا.
فهذه كلها فتن تقتضي المحاسبة، ومنها ذنوب يرجى تكفيرها بالحسنات والأعمال الصالحة
كما قال الله - تعالى -: {إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، وقال عمر عن هذا النوع من الفتن: "تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة".
إن عمر - رضي الله عنه - كان يريد معرفة الفتن الكبرى التي تموج موج البحر؛ فأخبره حذيفة - رضي الله عنه -. وحذيفة هو أحفظ الصحابة لحديث الفتن، وهو أمين سِرِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنافقين؛ فأخبره حذيفة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تعرض الفتن على القلوب؛ كالحصير عودًا عودًا))؛ أي: كما ينسج الحصير عودًا عودًا، وشطبة بعد أخرى؛ ذلك أن ناسج الحصير عند العرب كلما صنع عودًا أخذ آخر ونسجه، فشبه عرض الفتن على القلوب واحدة بعد أخرى بعرض قضبان الحصير على صانعها واحدًا بعد واحد.
إذًا فالفتن تَرِدُ على القلب شيئًا شيئًا، وبما أن الإنسان قابل للخير والشر؛ إذ فيه عقلٌ وشهوة، فإنَّ شهوته إذا غَلَبَتْ عَقْلَهُ وَلِجَتِ الفِتْنَةُ قلبه، وإذا غلب عقله شهوته رفض الفتنة وأنكرها.
قال: ((فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها))؛ أي: أيُّ قلب تَمَكَّنَتِ الفِتْنَةُ منه، وحلَّتْ مَحَلَّ الشراب من مَحَبَّتِها وتعلُّقه بها كما قال الله - تعالى - عن بني إسرائيل: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ العِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} [البقرة: 93]، فَمَنْ كان كذلك ((نُكِتَ في قلبه نُكْتة سوداء)) قال ابن دُرَيْد: "كلُّ نُقْطة في شيء بخلاف لونه فهو نكت"، وهذا هو القلب الذي يخشى عليه من الفساد، ويخشى على صاحبه الهلاك.
وأمَّا القلب الآخر فهو المنكر لها، المعرض عنها، الذي يرفضها ويأباها: ((وأي قلب أُنْكِرَها نُكِتَ فيه نكتة بيضاء)) وهذا هو القلب الصالح السليمُ، الذي سلم من أوضار الشرك والبدعة، وأدران الموبقات والكبائر.
وحينئذ ((تَصيرُ على قَلْبَيْنِ)): قلب صالح سليم طيب ((أبيض مثل الصفا)) والصفا: هو الحجر الأملس الذي لا يَعْلَقُ به شَيْءٌ، وكذلك القلب السليم لا تَعْلَقُ به فِتْنَةٌ؛ ولذا قال: ((فلا تَضُرُّه فِتنةٌ ما دامت السموات والأرض)).
وأما الآخر فداخلته الفتنة وأُشربها؛ حتى امتلأ بها، وتراكمت عليه فسودته آثارها، قال: ((والآخر أسود مُرْبَادًّا؛ كالكوز مُجَخيًا))؛ أي: كالكأس المائل أو المنكوس ، يسكب ما في داخله من الإيمان بقدر ميوله إلى الهوى، وانتكاسه عن الحق، كما يسكب الكأس ما فيه من ماء بقدر ميوله وانتكاسه.
قال المنذري - رحمه الله تعالى -: "ومعنى الحديث: أن القلب إذا افتتن وخرجت منه حرمة المعاصي والمنكرات خرج منه نور الإيمان؛ كما يخرج الماء من الكوز إذا مال وانتكس"وصاحب هذا القلب المائل عن الحق المنتكس عن الفطرة تجده: ((لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، إلا ما أشرب من هواه)) الذي يَهواه قلبه الفاسد.
ورضي الله عن عمر وأرضاه، لقد كان بابًا دون الفتنة مغلقًا، وسدًّا يمنعها حصينًا، ففي رواية أخرى لما سمِع عمر حديث الفتنة رفع يديه وقال: "اللهم لا تدركني" فقال حذيفة: "لا تخف"، إن عمر - رضي الله عنه - ما أدرك الفتن؛ لأنه كان بابها الذي يُكسر، قال حذيفة: "إن بينك وبينها بابًا مغلقًا يوشك أن يكسر، قال عُمَر: أكسرًا لا أبا لك، فلو أنه فتح لعله كان يُعاد، قلت: بل يكسر، وحدثته أن ذلك الباب رجل يُقتل أو يموت، حديثًا ليس بالأغاليط"؛ أي: حدثته حديثًا صدقًا محققًا ليس من صحف الكتابيين، ولا من اجتهاد ذي رأي؛ بل من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
والمعنى: أن الحائل بين الفتن والإسلام عمر - رضي الله عنه -، وهو الباب، فما دام حيًّا لا تدخل الفتن، فإذا ماتَ دخلتِ الفِتَنُ، وكذا كان ؛ إذ قتل عمر - رضي الله عنه -، فانكسر الباب، وانثلم الإسلام ثلمة بقتله، صار من جرائها الاختلاف والاقتتال بين أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولذلك عبر بكسر الباب ولم يعبر بالفتح؛ لأن الباب المفتوح يُرجى إغلاقه بخلاف الباب المنكسر.
وقد كان بعض الصحابة يعلم أن عمرَ هو الباب الذي بينهم وبين الفتنة؛ فقد لقي عمرُ أبا ذر فأخذ بيده فغمزها وكان عمر رجلاً شديدًا، فقال له أبو ذر: "أرسل يدي يا قفل الفتنة"، فقال عمر: وما قفل الفتنة؟ قال: جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ورسول الله جالس وقدِ اجتمع عليه الناس، فجلست في آخرهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يصيبكم فتنة ما دام هذا فيكم)) ، ومرة قال عثمان بن مظعون مخاطبًا عمر: "يا غُلْق الفتنة"
، وصدقوا فيما قالوا إذ قتل عمر؛ فظهرت الفتن وتفشت، فصار بعض الأمة يلعن بعضًا، ويقتل بعضها بعضًا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام: 65].
أيها المؤمنون ـ واحذروا الفتن؛ فإنها فساد القلوب، وسبب الهلاك. تعرض على القلب فتنة فتنة، فإذا قبل القلب الأولى تبعتها أختها؛ حتى يصير القلب أسود مظلمًا.
ومن أعظم الفتن: الذنوب والمعاصي، وهي ترد على القلوب شيئًا شيئًا، نعم والله ـ أيها الإخوة ـ إن الذنوب تَتَسَلَّلُ إلى القلوب فَأَوَّلُ ما تداخله يَجِدُ العَبْدُ ضِيقًا حتَّى يأتي ذنبٌ آخر، فيرق الأول، ويُنسي ويستمر صاحبه عليه، وهكذا الذنب الثاني والثالث، وإنها ذنوب وفتن يُرقِّق بعضها بعضًا، ويدعو الأول منها إلى فعل الآخر؛ حتى يكون القلب فاسدًا لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا.
إن الميزان الذي يجب أن توزن به القلوب صلاحًا وفسادًا هو مدى معرفتها للمعروف، وإنكارها للمنكر، إنَّ من الناس من صار لا يأبه بالمنكرات، يراها فلا يتحرك قلبه لها؛ بل يواقعها، ورُبَّما دعا إليها، وقد وصف القلب الفاسد الأسود بأنه لا ينكر منكرًا، وكم في الناس من لا يتحرك قلبه من جرَّاء المنكرات؛ بل ألفوها واعتادوا عليها؛ حتى ماتت قلوب كثير منهم فلم يعودوا ينكرونها إلا من رحم الله - تعالى -، وقليل ما هم!!.
وكل من أراد أن يعرف نسبة الصلاح في قلبه من نسبة الفساد فيه فلينظر إلى موقفه حينما يرى حرمةً لله - تعالى - انتهكت، أو فريضة عطلت. لينظر إلى مدى اضطراب قلبه إذا رأى منكرًا لا يستطيع تغييره. إنَّ العبد إذا كان معفيًّا من تغيير منكر لا يستطيع تغييره بيده، ولا إنكاره بلسانه؛ فليس معفيًّا من إنكاره بقلبه، وحزنه لأجل وجوده.
إنَّ المنكراتِ تَقَعُ، ويراها مسلمون ثم لا يُنْكِرُونها؛ بل لا تتحرك قلوبهم، فتراهم لا يغتمّون ولا يَهْتَمُّون؛ بل يضحكون ويفرحون، ويأكلون ويشربون ويأنسون، فأين هو إنكار القلب الذي ليس وراءه من الإيمان حبة خردل؟! لقد كان سفيان الثوري - رحمه الله تعالى - يقول: "إني لأرى المنكر فلا أتكلم فأبول دمًا"
إنَّ قلبه - رحمه الله تعالى - اشتغل بإنكاره، واهتم له، فصاحبه في أكله وشربه، ونومه وقعوده، وفي كل شؤونه؛ حتى بال الدم من شدة الهَمِّ والغَمِّ لوجود هذا المنكر.
إن الحديث وصفٌ صاحب القلب الأسود بأنه لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، ولم يُحدد نوع هذا الإنكار مما يدل على أن أقلَّ درجاته الإنكار بالقلب، فهل نعجز عن ذلك؟! فاتَّقوا الله ربكم، وأصلحوا قلوبكم، واحذروا الفتن والمعاصي؛ فإنها سببُ موتِ القلوب وفسادها وهلاك أصحابها. وصلوا وسلموا على محمد بن عبدالله؛ كما أمركم بذلك ربكم.
فان غدا يوم الجمعه فاكثروا من الصلاة عليه صلى الله وعليه وسلم
لقد حرص عمر - رضي الله عنه - على معرفة أخبار الفتن حتى يتوقاها، وأخبرهم أنه لا يريد معرفة فتنة الرجل الخاصة في أهله؛ وإنما يريد معرفة الفتنة العامة.
وقد أثبت الحديث أن أهل الرجل فتنةٌ له، وفتنته في أهله وماله وولده على ضروب عدة: من فرط محبته لهم، وشحه عليهم، وشغله بهم عن كثير من الخير، وفي هذه المعاني قال الله - تعالى -: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15]، وفي الحديث الصحيح قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((الولد مبخلة مجبنة))؛ أخرجه أحمد
فهذا وجه من الفِتْنَة بهم.
ووجه آخر: وهو تفريطه بما يلزم من القيام بحقوقهم، وتأديبهم وتعليمهم؛ فإنه راعٍ لهم ومسؤول عن رعيته، وكذلك فتنة الرجل في جاره من هذا.
فهذه كلها فتن تقتضي المحاسبة، ومنها ذنوب يرجى تكفيرها بالحسنات والأعمال الصالحة
كما قال الله - تعالى -: {إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، وقال عمر عن هذا النوع من الفتن: "تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة".
إن عمر - رضي الله عنه - كان يريد معرفة الفتن الكبرى التي تموج موج البحر؛ فأخبره حذيفة - رضي الله عنه -. وحذيفة هو أحفظ الصحابة لحديث الفتن، وهو أمين سِرِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنافقين؛ فأخبره حذيفة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تعرض الفتن على القلوب؛ كالحصير عودًا عودًا))؛ أي: كما ينسج الحصير عودًا عودًا، وشطبة بعد أخرى؛ ذلك أن ناسج الحصير عند العرب كلما صنع عودًا أخذ آخر ونسجه، فشبه عرض الفتن على القلوب واحدة بعد أخرى بعرض قضبان الحصير على صانعها واحدًا بعد واحد.
إذًا فالفتن تَرِدُ على القلب شيئًا شيئًا، وبما أن الإنسان قابل للخير والشر؛ إذ فيه عقلٌ وشهوة، فإنَّ شهوته إذا غَلَبَتْ عَقْلَهُ وَلِجَتِ الفِتْنَةُ قلبه، وإذا غلب عقله شهوته رفض الفتنة وأنكرها.
قال: ((فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها))؛ أي: أيُّ قلب تَمَكَّنَتِ الفِتْنَةُ منه، وحلَّتْ مَحَلَّ الشراب من مَحَبَّتِها وتعلُّقه بها كما قال الله - تعالى - عن بني إسرائيل: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ العِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} [البقرة: 93]، فَمَنْ كان كذلك ((نُكِتَ في قلبه نُكْتة سوداء)) قال ابن دُرَيْد: "كلُّ نُقْطة في شيء بخلاف لونه فهو نكت"، وهذا هو القلب الذي يخشى عليه من الفساد، ويخشى على صاحبه الهلاك.
وأمَّا القلب الآخر فهو المنكر لها، المعرض عنها، الذي يرفضها ويأباها: ((وأي قلب أُنْكِرَها نُكِتَ فيه نكتة بيضاء)) وهذا هو القلب الصالح السليمُ، الذي سلم من أوضار الشرك والبدعة، وأدران الموبقات والكبائر.
وحينئذ ((تَصيرُ على قَلْبَيْنِ)): قلب صالح سليم طيب ((أبيض مثل الصفا)) والصفا: هو الحجر الأملس الذي لا يَعْلَقُ به شَيْءٌ، وكذلك القلب السليم لا تَعْلَقُ به فِتْنَةٌ؛ ولذا قال: ((فلا تَضُرُّه فِتنةٌ ما دامت السموات والأرض)).
وأما الآخر فداخلته الفتنة وأُشربها؛ حتى امتلأ بها، وتراكمت عليه فسودته آثارها، قال: ((والآخر أسود مُرْبَادًّا؛ كالكوز مُجَخيًا))؛ أي: كالكأس المائل أو المنكوس ، يسكب ما في داخله من الإيمان بقدر ميوله إلى الهوى، وانتكاسه عن الحق، كما يسكب الكأس ما فيه من ماء بقدر ميوله وانتكاسه.
قال المنذري - رحمه الله تعالى -: "ومعنى الحديث: أن القلب إذا افتتن وخرجت منه حرمة المعاصي والمنكرات خرج منه نور الإيمان؛ كما يخرج الماء من الكوز إذا مال وانتكس"وصاحب هذا القلب المائل عن الحق المنتكس عن الفطرة تجده: ((لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، إلا ما أشرب من هواه)) الذي يَهواه قلبه الفاسد.
ورضي الله عن عمر وأرضاه، لقد كان بابًا دون الفتنة مغلقًا، وسدًّا يمنعها حصينًا، ففي رواية أخرى لما سمِع عمر حديث الفتنة رفع يديه وقال: "اللهم لا تدركني" فقال حذيفة: "لا تخف"، إن عمر - رضي الله عنه - ما أدرك الفتن؛ لأنه كان بابها الذي يُكسر، قال حذيفة: "إن بينك وبينها بابًا مغلقًا يوشك أن يكسر، قال عُمَر: أكسرًا لا أبا لك، فلو أنه فتح لعله كان يُعاد، قلت: بل يكسر، وحدثته أن ذلك الباب رجل يُقتل أو يموت، حديثًا ليس بالأغاليط"؛ أي: حدثته حديثًا صدقًا محققًا ليس من صحف الكتابيين، ولا من اجتهاد ذي رأي؛ بل من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
والمعنى: أن الحائل بين الفتن والإسلام عمر - رضي الله عنه -، وهو الباب، فما دام حيًّا لا تدخل الفتن، فإذا ماتَ دخلتِ الفِتَنُ، وكذا كان ؛ إذ قتل عمر - رضي الله عنه -، فانكسر الباب، وانثلم الإسلام ثلمة بقتله، صار من جرائها الاختلاف والاقتتال بين أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولذلك عبر بكسر الباب ولم يعبر بالفتح؛ لأن الباب المفتوح يُرجى إغلاقه بخلاف الباب المنكسر.
وقد كان بعض الصحابة يعلم أن عمرَ هو الباب الذي بينهم وبين الفتنة؛ فقد لقي عمرُ أبا ذر فأخذ بيده فغمزها وكان عمر رجلاً شديدًا، فقال له أبو ذر: "أرسل يدي يا قفل الفتنة"، فقال عمر: وما قفل الفتنة؟ قال: جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ورسول الله جالس وقدِ اجتمع عليه الناس، فجلست في آخرهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يصيبكم فتنة ما دام هذا فيكم)) ، ومرة قال عثمان بن مظعون مخاطبًا عمر: "يا غُلْق الفتنة"
، وصدقوا فيما قالوا إذ قتل عمر؛ فظهرت الفتن وتفشت، فصار بعض الأمة يلعن بعضًا، ويقتل بعضها بعضًا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام: 65].
أيها المؤمنون ـ واحذروا الفتن؛ فإنها فساد القلوب، وسبب الهلاك. تعرض على القلب فتنة فتنة، فإذا قبل القلب الأولى تبعتها أختها؛ حتى يصير القلب أسود مظلمًا.
ومن أعظم الفتن: الذنوب والمعاصي، وهي ترد على القلوب شيئًا شيئًا، نعم والله ـ أيها الإخوة ـ إن الذنوب تَتَسَلَّلُ إلى القلوب فَأَوَّلُ ما تداخله يَجِدُ العَبْدُ ضِيقًا حتَّى يأتي ذنبٌ آخر، فيرق الأول، ويُنسي ويستمر صاحبه عليه، وهكذا الذنب الثاني والثالث، وإنها ذنوب وفتن يُرقِّق بعضها بعضًا، ويدعو الأول منها إلى فعل الآخر؛ حتى يكون القلب فاسدًا لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا.
إن الميزان الذي يجب أن توزن به القلوب صلاحًا وفسادًا هو مدى معرفتها للمعروف، وإنكارها للمنكر، إنَّ من الناس من صار لا يأبه بالمنكرات، يراها فلا يتحرك قلبه لها؛ بل يواقعها، ورُبَّما دعا إليها، وقد وصف القلب الفاسد الأسود بأنه لا ينكر منكرًا، وكم في الناس من لا يتحرك قلبه من جرَّاء المنكرات؛ بل ألفوها واعتادوا عليها؛ حتى ماتت قلوب كثير منهم فلم يعودوا ينكرونها إلا من رحم الله - تعالى -، وقليل ما هم!!.
وكل من أراد أن يعرف نسبة الصلاح في قلبه من نسبة الفساد فيه فلينظر إلى موقفه حينما يرى حرمةً لله - تعالى - انتهكت، أو فريضة عطلت. لينظر إلى مدى اضطراب قلبه إذا رأى منكرًا لا يستطيع تغييره. إنَّ العبد إذا كان معفيًّا من تغيير منكر لا يستطيع تغييره بيده، ولا إنكاره بلسانه؛ فليس معفيًّا من إنكاره بقلبه، وحزنه لأجل وجوده.
إنَّ المنكراتِ تَقَعُ، ويراها مسلمون ثم لا يُنْكِرُونها؛ بل لا تتحرك قلوبهم، فتراهم لا يغتمّون ولا يَهْتَمُّون؛ بل يضحكون ويفرحون، ويأكلون ويشربون ويأنسون، فأين هو إنكار القلب الذي ليس وراءه من الإيمان حبة خردل؟! لقد كان سفيان الثوري - رحمه الله تعالى - يقول: "إني لأرى المنكر فلا أتكلم فأبول دمًا"
إنَّ قلبه - رحمه الله تعالى - اشتغل بإنكاره، واهتم له، فصاحبه في أكله وشربه، ونومه وقعوده، وفي كل شؤونه؛ حتى بال الدم من شدة الهَمِّ والغَمِّ لوجود هذا المنكر.
إن الحديث وصفٌ صاحب القلب الأسود بأنه لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، ولم يُحدد نوع هذا الإنكار مما يدل على أن أقلَّ درجاته الإنكار بالقلب، فهل نعجز عن ذلك؟! فاتَّقوا الله ربكم، وأصلحوا قلوبكم، واحذروا الفتن والمعاصي؛ فإنها سببُ موتِ القلوب وفسادها وهلاك أصحابها. وصلوا وسلموا على محمد بن عبدالله؛ كما أمركم بذلك ربكم.
فان غدا يوم الجمعه فاكثروا من الصلاة عليه صلى الله وعليه وسلم
الثلاثاء أغسطس 27, 2013 10:10 am من طرف سوس
» طريقه وضع توقيع فلاش
الجمعة يوليو 05, 2013 11:57 am من طرف fidou
» صيام ثلاثة أيام= صيام السنة كلها
الجمعة يوليو 05, 2013 10:56 am من طرف fidou
» ولا ذبابة.. !
الجمعة يوليو 05, 2013 10:52 am من طرف fidou
» يستحق الحب .. إنه نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم
الجمعة يوليو 05, 2013 10:51 am من طرف fidou
» محفظ ٌ قرآن معتمد أونلاين
الجمعة يوليو 05, 2013 10:47 am من طرف fidou
» فضائل شهر رمضان
الجمعة يوليو 05, 2013 10:26 am من طرف fidou
» هل تريد النصر؟
الإثنين سبتمبر 10, 2012 8:40 pm من طرف أم محمود
» إجازة معتمده فى القراءات العشر عبر النت
الجمعة يونيو 29, 2012 12:03 am من طرف إجازه معتمده اونلاين
» اسرع إجازة عبر الإنترنت فى شهر متصلة السند بالرسول
الخميس يونيو 28, 2012 11:40 pm من طرف إجازه معتمده اونلاين
» منتديات دروبي عالمي الأسلأمي الدعوية اريد ان ادعوكم للمنتدايhttp://rfiaaildilrarb.7olm.org/
الإثنين يونيو 25, 2012 3:29 am من طرف ناصر السنة
» .~* وَسَقَطَت وَرِقه مَن شَجَرَة الْعُمُر *~.
الثلاثاء يونيو 19, 2012 10:09 pm من طرف •°حہيآئيٌ آآيہُمانيً°•
» !الأب مشغول..والأم فى الأسواق!
الثلاثاء يونيو 19, 2012 9:53 pm من طرف •°حہيآئيٌ آآيہُمانيً°•
» ...حب دينك سبب ثباتك عليه...
الثلاثاء يونيو 19, 2012 9:28 pm من طرف •°حہيآئيٌ آآيہُمانيً°•
» حاسـوبي الأفضـل بين الحواسيب
الثلاثاء يونيو 19, 2012 9:03 pm من طرف •°حہيآئيٌ آآيہُمانيً°•
» ! رساله الى أصحاب الوجوه العابسه !
الثلاثاء يونيو 19, 2012 8:52 pm من طرف •°حہيآئيٌ آآيہُمانيً°•
» صيام الأيام البيض لشهر رجب 1433
الجمعة يونيو 01, 2012 3:16 pm من طرف انور ابو البصل
» صيام الأيام البيض لشهر جمادى الاخرة 1433
الخميس مايو 03, 2012 3:49 am من طرف انور ابو البصل
» صيام الأيام البيض لهذا الشهر ربيع الثاني 1433
الإثنين مارس 05, 2012 3:20 pm من طرف انور ابو البصل
» صيام الأيام البيض لشهر ربيع الأول 1433
السبت فبراير 04, 2012 2:16 pm من طرف انور ابو البصل
» حلول قساوة القلوب
السبت يناير 28, 2012 1:29 pm من طرف انور ابو البصل
» لمن يريد دعوة شخص أجنبي للإسلام
السبت يناير 28, 2012 1:56 am من طرف الكعبة روحى
» علاج السرحان في الصلاة
السبت يناير 14, 2012 7:08 pm من طرف wegdan
» اسماء وصفات الله عز وجل
الخميس يناير 12, 2012 3:30 pm من طرف ا.عمرو
» اجعل الله همك يكفك ما اهمك
الخميس يناير 12, 2012 1:49 pm من طرف wegdan
» روائع الكلام
الخميس يناير 12, 2012 12:18 am من طرف ا.عمرو
» العبرة بالنهاية
الأربعاء يناير 11, 2012 7:06 pm من طرف ابومحمودعماد محمود
» مخطط جورج سوروس الذي يدافع عنه البرادعي لاختطاف الثورة المصرية
السبت يناير 07, 2012 9:27 am من طرف ا.عمرو