الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن السواك من السنن التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من سنن الفطرة التي ينبغي المحافظة عليها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ عليه ولا يتركه أبداً؛ لهذا كان لا بد من معرفة أحكامه وآدابه وما يستحب فيه، والمواضع التي يستحب فيها.
قال أهل اللغة: السِّواك بكسر السين، وهو يطلق على الفعل -فعل التسوك- وعلى العود -الآلة- الذي يتسوك به.
وهو مذكر وتؤنثه العرب أيضاً.
قاله الأزهري .
والسواك فعلك بالسواك، يقال: ساك فمه يسوكه سوكاً، وجمع سواك ليس مساويك جمعه سوك، مثل: كتاب كُتُب، سواك سُوك، وقيل: السواك مأخوذ من ساك إذا دلك، وقيل: من جاءت الإبل تساوك أي تمايل.
وأما في اصطلاح العلماء فإن السواك هو: استعمال عود أو نحوه في الأسنان لتذهب الصفرة وغيرها عنها -عن الأسنان-.
ويقال: ساك فمه بالعود يسوكه إذا دلكه.
وهناك تخليل الأسنان، والفرق بين هذا وبين السواك أن تخليل الأسنان هو إخراج ما بينها من فضلات بالخلال، مثل العود ونحوه، فالفرق بين الاستياك والتخليل أن التخليل خاص بإخراج ما بين الأسنان، أما السواك فهو لتنظيف الفم والأسنان واللسان بنوعٍ من الدلك، فهو مطهر للفم عموماً، وأما التخليل بالعود وغيره فهو لإخراج البقايا المنحشرة بين الأسنان.
وأما حكمته: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال عنه: ( السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ) أي: سبب لتطهير الفم، وسبب لمرضاة الرب عز وجل، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح الذي علقه البخاري ووصله أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ).
وأما بالنسبة للأحاديث الواردة للحث عليه فهي كثيرة، منها هذا الذي تقدم في الحكمة منه، ومنها: حديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لولا أن أشق على أمتي -أو على الناس- لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ) لأمرتهم بالسواك، أي: باستعمال السواك.
وقوله: ( مع كل صلاة ) جاء في رواية: ( عند كل صلاة ) وجاء في رواية: ( مع كل وضوء ) .
حكم السواك
وقوله: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم ) فانتفى الأمر لثبوت المشقة؛ لأن (لولا) في اللغة حرف امتناع لوجود، فامتنع الوجوب، لوجود المشقة، فهذه (لولا) في اللغة حرف امتناع لوجود، أي: يمتنع شيء لوجود شيء آخر لولا كذا لحصل كذا.
وهذا فيه دليل على أن السواك في الأصل ليس بواجب؛ لأن المشقة في إيجابه نفت وجوبه، إذ الندب في هذه الحالة هو المفهوم.
وقوله في حديث آخر: ( لفرضت عليهم ) بدل ( لأمرتهم ) يبين هذا، قال الشافعي رحمه الله تعالى: فيه دليل على أن السواك ليس بواجب؛ لأنه لو كان واجباً لأمرهم، شق عليهم به أو لم يشق.
إذاً: القول بعدم وجوبه صار قول أكثر أهل العلم، بل ادعى بعضهم فيه الإجماع، لكن حكي عن إسحاق بن راهويه أنه قال: هو واجب لكل صلاة.
عند الصلاة يكون واجباً، وعن داود الظاهري أنه واجب للصلاة ولكنه ليس شرطاً، وأما إسحاق فإنه قال: هو شرط، واحتج من قال بوجوبه بالأمر به، كما جاء في حديث ابن ماجة : ( تسوكوا ) وفي الموطأ : ( عليكم بالسواك ) لكن قال ابن حجر رحمه الله: ولا يثبت منها شيء.
أي: هذه الأوامر لم تثبت في أحاديث صحيحة.
إذاً: القول بالندب هو قول المذاهب الأربعة، وأما من قال بالوجوب كـ إسحاق و داود ، واحتج بظاهر الحديث فليس قوله بقوي.
ومن العلماء من قال بكراهته للصائم بعد الزوال، أي: إذا استاك الصائم بعد الزوال، كما هو عند الشافعية ورواية عند الحنابلة، ولكن هذا القول ليس بقوي، وأكثر العلماء -وهو التحقيق- أنه لا يكره في الصيام لا قبل الزوال ولا بعد الزوال، وعمدة الذين يقولون بالكراهة بعد الزوال قالوا: لأنه يزيل الخلوف الذي هو من مميزات الصائم، وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
فأجيب عن هذا: بأن هذا الخلوف من خلو المعدة، والسواك لا يزيل ما يخرج من المعدة ولا يدخل المعدة، فمصدر الخلوف من المعدة، وهذا السواك للأسنان، فهو يزيل وسخ الأسنان ولا يزيل الخلوف الذي بسبب خلو المعدة من الطعام.
ثم استدل بعضهم بقوله: ( عند كل صلاة ) على استحبابه للفرائض والنوافل؛ لأن قوله: ( عند كل صلاة ) يشمل كل الصلوات، الفريضة والنافلة، ويحتمل أن يكون المراد الصلوات المكتوبة وما ضاهاها من النوافل التي ليست تبعاً لغيرها، بمعنى: أنه إذا كان قبل الظهر أربع وبعدها اثنتان، فيصليها مباشرة، فالسواك لهذه كلها واحد، فيتسوك سواكاً واحداً للصلاة في السنة الراتبة والفريضة والسنة التي بعدها، وكذلك سنة المغرب لا تحتاج إلى سواك منفصل، وسنة العشاء، لكن هب أن هناك سنة منفصلة عن الفرض لا علاقة لها به، مثل صلاة العيد، فعند ذلك يكون السواك لها وجيهاً؛ لأنها صلاة نافلة ليست تبعاً لغيرها.
وجاء في رواية عند أحمد : ( لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضئون ) وفي رواية: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء، ومع كل وضوء بسواك ) فسوى بينهما.
وكما أن الوضوء لا يندب للراتبة التي بعد الفريضة إلا إذا طال الفصل كما قال بعضهم، أو قالوا: لا يندب الوضوء إلا إذا دخل وقت الصلاة الجديدة؛ فلذلك لا يندب أن تتوضأ إذا لم ينتقض وضوءك بعد الظهر مثلاً إلا إذا دخل وقت صلاة العصر، فعند ذلك يكون تجديد الوضوء سنة ومستحباً، ولا يشرع لك ولا يندب أن تجدد الوضوء من غير ناقض داخل وقت الصلاة الواحدة.
فإذا ربطنا السواك بالوضوء سنخرج بنتيجة أيضاً: أن السواك للصلاة الفريضة وما يتبعها من تحية المسجد والسنن النوافل -مثلاً- لا يندب كالوضوء، ويمكن أن يقال: إن الوضوء أشق من السواك.
وقد جاء عند ابن ماجة من حديث ابن عباس : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين ثم ينصرف فيستاك ) وإسناده صحيح، لكن هذا بالبحث -كما ذكر ابن حجر رحمه الله- يتضح أنه مختصر من حديث طويلٍ رواه أبو داود ، بين فيه أنه تخلل بين الانصراف والسواك نومٌ، أي: أن حديث ابن ماجة المذكور هنا: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين ثم ينصرف فيستاك ) فيه اختصار من حديثٍ آخر يبين أنه تخلل الانصراف من الركعتين والسواك نوم، فلما قام من النوم صار هناك وجاهة للسواك، كما أنه إذا قام من النوم سيتوضأ .
الحكمة من استحباب السواك عند كل صلاة
والحكمة في استحباب السواك عند القيام إلى الصلاة: كون الصلاة مناجاة للرب عز وجل، فاقتضى أن تكون على حال كمال ونظافة إظهاراً لشرف العبادة وهي الصلاة.
ومن الفوائد أيضاً: أن الأمر يتعلق بالملك الذي يستمع القرآن من المصلي؛ فإنه قد جاء في الحديث الذي حسنه بعض أهل العلم: ( أن الإنسان إذا قام فتسوك وتطهر وصلى وقرأ القرآن، لا يزال الملك يدنو منه حتى يضع فاه على فيه -حتى يضع الملك فاه على فم المصلي- فلا يخرج منه قرآن إلا دخل في جوف الملك ).
إذاً: حتى يكون الملك غير متأذٍ، فإن السواك يفيد بالإضافة للأدب مع الرب الأدب مع الملائكة.
وقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أنه قد أكثر علينا في السواك فقال: ( أكثرت عليكم في السواك ) أي: بالغت في تكرير طلبه منكم وإيراد الأخبار المرغبة فيه؛ فحقيق أن تفعلوا ما دام أني قد أكثرت عليكم ورغبتكم فالمتوقع منكم أن تفعلوا، وحديث: ( أكثرت عليكم في السواك ) رواه البخاري رحمه الله تعالى.
إذاً: السواك عند كل صلاةٍ مندوبٌ إليه.
السواك من سنن الفطرة
ولا ننس أن السواك من سنن الفطرة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( عشرٌ من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم -وهي العقد التي في الأصابع ويمكن أن تحتشي فيها الأوساخ- ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء -أي: الاستنجاء- قال مصعب : ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة ) الحديث رواه مسلم .
إذاً: السواك من سنن الفطرة.
وقت استعمال السواك عند الوضوء
أما بالنسبة لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) وفي رواية: ( عند كل وضوء ) فنحتاج أن نعرف متى يستعمل السواك.
اتفق أهل المذاهب الأربعة على أن السواك سنة عند الوضوء، لكن اختلفوا هل هو من سنن الوضوء، أم سنة منفصلة عن الوضوء؟ وهذا التفريق ليس من ورائه طائل كبير فذهب الحنفية والمالكية وهو رأي عند الشافعية: أن الاستياك سنة من سنن الوضوء؛ لأنه قال: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء ) وفي رواية: ( لفرضت عليهم السواك مع كل وضوء ).
وقال الحنابلة -وهو الرأي الأوجه عند الشافعية-: أن السواك سنة خارجة عن الوضوء، متقدمة عليه وليست منه، إذاً: متى تفعل؟ تفعل قبل الوضوء، والمذاهب الأربعة متفقة على أن السواك قبل الوضوء.
ماذا يترتب على هذا الخلاف؟ ذكرنا أن هناك خلافاً هل هو من سنن الوضوء، أم هو منفصل عن الوضوء، فماذا يترتب على الخلاف من الناحية العملية؟ العلماء متفقون على أنه قبل الوضوء، لكن لو كان من سنن الوضوء فمعنى ذلك أن نقول: باسم الله، ونتسوك ثم نغسل الكفين، ولو أنه ليس من سنن الوضوء فنتسوك ثم نقول: باسم الله، ثم نغسل الكفين.
فهل هو قبل التسمية أو بعدها؟ هذا هو فائدة الخلاف أو ثمرة الخلاف من الناحية العملية، والمسألة سهلة إن شاء الله.
فإذا قلنا: إنه خارج عن الوضوء -سنة منفصلة- فإنك إذا أردت أن تطبق السنة وتأخذ أجر تطبيق السنة فتستاك أولاً، ثم تسمي الله، ثم تشرع في غسل الكفين.
وماذا لو تيمم أو اغتسل؟ إذا كان التيمم بديلاً عن الوضوء فأن الاستياك يشرع حتى ولو تيمم، وتبعاً لهذا فإنه يستاك قبل التيمم؛ قبل أن يبدأ بضرب الكفين على الأرض، وكذلك في الغسل قبل أن يفيض الماء عليه.
وماذا بالنسبة للصلاة؟ ذكرنا قبل قليل أن الاستياك للصلاة فرضها ونفلها، وذكرنا التفصيل في قضية الوقت، ولو نسي قبل الفريضة وتذكر قبل الراتبة التي بعد الفريضة فماذا يفعل؟ أي: واحد نسي التسوك قبل الفريضة، ولما انتهى من الفريضة وأراد أن يصلي السنة الراتبة التي بعد الفريضة -بعد المغرب أو العشاء أو الظهر- فإنه يستاك بعد الفريضة وقبل الراتبة.
مواضع يستحب فيها السواك
وهناك أمورٌ أخرى يستحب لها السواك، مثل: قراءة القرآن ولو كان خارج الصلاة، وألحق العلماء بهذا الأمر قراءة الحديث أو حضور مجالس العلم، حتى قال بعضهم: يستحب في سجدة التلاوة؛ لأنها من جنس الصلاة، وقد اشترطوا لها الوضوء واستقبال القبلة وستر العورة -وهم الجمهور- قياساً على الصلاة، فقالوا: حتى إذا أراد أن يسجد للتلاوة يستاك، لكنهم قالوا: محلها بعد فراغ الآية وقبل سجدة التلاوة، لذا كان خارج الصلاة، فالسواك قبل الصلاة.
ويستحب عند ذكر الله عموماً، قال بعضهم: يندب أن يزيل وسخ الفم وقلح الأسنان بالسواك لذكر الله تعالى، والملائكة تحضر مجالس العلم، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فإذا كانوا يحضرون مجالس العلم فإن السواك من آداب مجالس العلم، ولأن الملائكة يحضرون الميت قالوا: لو تسنى للمحتضر أن يستاك فليستك، وقد ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام تسوك قبيل موته، فقالوا: إذا تمكن المحتضر من الاستياك أو أشار أن يعطوه سواكاً فليعطوه قبل الموت، فالملائكة تحضر، حتى قالوا: إنه يسهل خروج الروح ونحو ذلك، وهذا الله أعلم به وهو من أمور الغيب، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت أنه استاك وهو يحتضر.
ويستحب كذلك الاستياك عند قيام الليل، وسيأتي الحديث فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويستحب -أيضاً- الاستياك لمجامع الناس؛ فإن الإنسان إذا أراد أن يذهب إلى الناس، خصوصاً إذا كان قادماً من سفر وهناك معانقة كأن يسلم على عالم مثلاً، ويقترب منه، ويضع وجهه قبل وجهه، أو سائل يسر إلى عالمٍ بشيء أو نحو ذلك.
وكذلك عند الذهاب إلى المسجد، فإنه من تمام الزينة، والمسجد فيه اجتماع الملائكة واجتماع الناس، وتطييب الرائحة فيه مؤكد.
وقالوا أيضاً: إن السواك مستحب للالتقاء بالأهل، ودليله قوي وهو حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بدأ بالسواك ) الحديث رواه مسلم فيتزين للقاء زوجته وأهله كما يحب أن تتزين له، ولذلك قالوا: حتى عند الجماع؛ لأن فيه ملامسة الرجل المرأة والاقتراب منها، وكذلك عند القيام من النوم لتغير رائحة الفم، وإذا تغير بعطشٍ أو جوعٍ أو اصفرار أو غير ذلك، ويستعمل السواك عند الفراغ من الطعام أيضاً.
وعموماً حديث: ( السواك مطهرةٌ للفم مرضاة للرب ) معناه: في أي وقتٍ من ليل أو نهار يمكن أن يستعمله.
وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية التسوك أشياء فمن ذلك:
إمرار السواك على اللسان
وهي سنة مجهولة عند كثيرين، عن أبي بردة عن أبيه قال: ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته يستن بسواكٍ بيده يقول: أع أع، والسواك في فيه كأنه يتهوع ) رواه البخاري .
ومعنى يستن: من السِّن أو من السَّن، بكسر السين من السِّن؛ لأن السواك يمر على الأسنان، وبالفتح يقال: السَّن؛ لأنه يسن الأسنان أي يحدها، فيكون مأخوذاً من سن السكين وسن المقص، وهذا السواك يسن الأسنان.
وقوله: (أع) يسمى في اللغة: حكاية فعل، الراوي يريد أن يحكي ما هو الصوت الذي صدر من النبي عليه الصلاة والسلام.
فجعل السواك على طرف لسانه، والمراد الطرف الداخل وليس الطرف الخارج، كما جاء في رواية أحمد : ( يستن إلى فوق ) ولهذا قال هنا: كأنه يتهوع، أي: يتقيأ، له صوتٌ كصوت المتقيئ، كما ذكر في الحديث، فيستفاد منه مشروعية السواك على اللسان طولاً، وهذه سنة مجهولة، فلا يقتصر على الأسنان، بل يسوك اللسان طولاً حتى يدخل إلى الداخل حتى كأنه يتهوع.
ففيه أن السواك لا يختص بالأسنان، وإنما يشمل اللسان أيضاً، وأن التنظيف والتطييب فيه إزالة الأذى عن كل ما هو داخل الفم.
التسوك عند الاستيقاظ من النوم
وقد كان عليه الصلاة والسلام يستاك ليلاً، ويحضر له سواكه، وقد جاء في الحديث الصحيح أن رجلاً سأل عائشة رضي الله عنها فقال: ( أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ألست تقرأ (يا أيها المزمل)؟ قلت: بلى، قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء -إذاً: سورة المزمل نزلت على دفعتين بينهما سنة- حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة، قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كنا نعد له سواكه -فالمرأة من برها بزوجها وإعانتها له على العبادة وعلى تطبيق السنة أن تعد السواك لزوجها- قالت: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه -وهذه إحدى الكيفيات لقيام الليل- فيقرأ ويقوم الليل ).
وأيضاً جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( أنه رقد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فاستيقظ وتسوك وتوضأ وهو يقول: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ } [آل عمران:190] فقرأ هؤلاء الآيات حتى ختم السورة، ثم قام فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفخ ) الحديث رواه مسلم .
وهذا فيه سنة مهجورة أو مجهولة، وهي قراءة آيات آل عمران عند القيام من النوم، فبعد القيام من النوم يتسوك ويتوضأ ويقرأ الآيات ثم يفتتح صلاة الليل فمتى تكون قراءة آيات آل عمران؟ بعد السواك والوضوء يقرأ آيات آل عمران: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [آل عمران:190] .
إلى آخر السورة، ثم ويكبر ويصلي قيام الليل، والحديث في صحيح مسلم .
وإذا تكرر نومه واستيقاظه فيكرر قراءته لها، ولو نام يكرر أيضاً السواك، فلو أن رجلاً قام وقرأ الآيات وصلى، ثم نام، ثم قام قبل الفجر وأراد أن يصلي فإنه يقرأ، كما جاء في روايةٍ أخرى عند مسلم : عن ابن عباس : ( أنه بات عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم من آخر الليل، فخرج فنظر في السماء ثم تلا هؤلاء الآيات من آل عمران: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } [آل عمران:190]، حتى بلغ { فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } [آل عمران:191] ثم رجع إلى البيت فتسوك وتوضأ، ثم قام فصلى، ثم اضطجع، ثم قام فخرج فنظر إلى السماء فتلا هذه الآية ) فإذاً: لو تكرر القيام يكرر هؤلاء الآيات.
وفيه سنة أخرى وهي: النظر إلى السماء عند تلاوة الآيات، كما ذكر النووي رحمه الله: يستحب السواك عند الاستيقاظ في الليل مع النظر إلى السماء لما في ذلك من عظيم التدبر { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [آل عمران:190] وهو ينظر إلى السماء.
وقد جاء في كيفية السواك في الليل حديث حذيفة : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك ) رواه البخاري .
(يشوص) هو الغسل والتنظيف والتنقية، وقيل: هو الإمرار على الأسنان من أسفل إلى فوق، وهو مأخوذ من الشوصة، وهي ريح ترفع القلب عن موضعه، وقيل: هو دلك الأسنان بالسواك أو الأصابع عرضاً، وهذا عكس الأول فهذه من الأقوال في الشوص، فإذا أراد أن يفعله طولاً أو يفعله عرضاً فله ذلك كله؛ لأن المقصود أن يحصل التطييب والتنقية.
وهذا فيه فضل السواك عند القيام من النوم؛ لأن الفم يكون متغير الرائحة لتصاعد الأبخرة من المعدة، والسواك آلة للتنظيف.
وقوله: (من الليل) عام في كل حالة، فلو نام شخص في النهار حتى في القيلولة، وقام وقد تغيرت رائحة الفم فإنه يستاك، ولكن يتأكد إذا قام من الليل للصلاة فإن الملك يأتي، وفيها مناجاة الرب، فيتأكد أكثر، ويكون به كمال الهيئة والتأهب للصلاة، وهو يدل على طول القيام.
وقوله: (إذا قام للتهجد) أي: لعادته، وقد سبق التنبيه إلى أن التهجد لا يسمى تهجداً إلى إذا كان بعد نوم، أما قيام الليل فيسمى قياماً ولو لم يسبقه نوم، فلو قام بعد صلاة العشاء بعدما صلى الراتبة يصلي الوتر أو قيام الليل، فإنه يسمى قيام ليل، لكن لا يسمى تهجداً إلا إذا سبقه نوم، وقام من النوم إلى الصلاة.
دفع السواك إلى الأكبر
ومن السنن المتعلقة بالسواك: ما عنون له البخاري رحمه الله في صحيحه : باب دفع السواك إلى الأكبر عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أراني أتسوك بسواك، فجاءني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي: كبر، فدفعته إلى الأكبر منهما ) رواه البخاري .
قوله: (أراني) من الرؤية، وفي رواية: ( رأيت في المنام ) وعلى هذا فيكون من الرؤيا بالألف، ( فقيل لي ) القائل هو جبريل عليه السلام، ( كبر ) أي: قدم الأكبر في السن، وجاء هذا الحديث عند أحمد و البيهقي بلفظ: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن فأعطاه أكبر القوم ثم قال: إن جبريل أمرني أن أكبر ) وهذه الرواية تقتضي أن القصة هذه وقعت يقظةً، والذي قبلها يفهم منها أنها وقعت في المنام، فكيف نجمع بينهما؟ نقول: إن ذلك لما وقع في اليقظة أخبرهم عليه الصلاة والسلام بما رآه في المنام تنبيهاً على أن أمره بذلك بوحي متقدم.
وجاء بإسنادٍ حسنٍ عن عائشة قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن وعنده رجلان، فأوحي إليه أن أعط السواك الأكبر ) وفي هذا احترام كبير السن وتقديم ذي السن في السواك.
وهنا في كلام ابن بطال رحمه الله في شرح صحيح البخاري جوابٌ على سؤالٍ يرد كثيراً: بمن نبدأ؟ قال ابن بطال : فيه تقديم ذي السن في السواك، ويلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام، فإذا كان عندك جماعة يريدون أن يتحدثوا فإنه يبدأ الأكبر فيهم، وإذا أردت أن تدخل مع أحد من الباب وهو الأكبر قدِّم الأكبر، وإذا أردت أن توزع أشياء على أشخاص كأن تريد أن تعطي شراباً في المجلس فابدأ بالأكبر ثم من عن يمينه، لتجمع بين هذا وهذا، لكن إذا لم يكونوا مترتبين في الجلوس، كأن يكونوا واقفين وجئت ومعك إناء لبن فإنك تعطي الأكبر، فإذا ترتبوا في المجلس فالسنة تتعين إعطاء الأيمن، قال بعضهم: أيمن الأكبر، أي: يبدأ بالأكبر، ثم من عن يمينه، كما قدم للنبي عليه الصلاة والسلام الإناء فأعطى الأعرابي ولم يعط أبا بكر ؛ لأن الأعرابي كان عن يمين النبي عليه الصلاة والسلام، هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس، فإذا ترتبوا فالسنة حينئذٍ تقديم الأيمن، وقد أقر ابن حجر هذا الكلام بقوله: وهو صحيح.
جواز التسوك بسواك الغير بإذنه
والحديث السابق فيه إشارة إلى مسألة، وهي التسوك بسواك الغير ( أراني أتسوك بسواك، فجاءني رجلان فناولت الأصغر فقيل: كبر، فدفعته للأكبر ) لذلك أخذوا منه أن استعمال سواك الغير ليس بمكروه، إلا أن المستحب أن يغسله ثم يستعمله، وفيه حديث عائشة رضي الله عنها: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني السواك لأغسله، فأبدأ به فأستاك ثم أغسله ثم أدفعه إليه ) ترجو بركة ريقه.
إذاً: من السنن غسل السواك، فكان يعطيها السواك لتغسله فتستاك به ثم تغسله ثم تناوله إياه، وهذا يدل على عظيم أدبها وكبير فطنتها؛ لأنها لم تغسله ابتداءً حتى لا يفوتها الاستشفاء أو التبرك المشروع بريقه صلى الله عليه وسلم، ثم غسلته تأدباً وامتثالاً لما أمرها به صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد غسل السواك: تليينه بعد جفافه؛ لأن السواك يتعرض للجفاف، فالغسل يفيد في تنظيفه وتليينه، وهذه سنة الغسل؛ لأن التسوك بالسواك الجاف يسبب جرح اللثة وخروج الدم.
وقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه : باب من تسوك بسواك غيره وساق حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به، فنظر إليه صلى الله عليه وسلم -وكان في حجر عائشة في آخر العمر عند وفاته- فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: -تقول عائشة لأخيها-: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن ! فأعطانيه فقصمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستن به وهو مستند إلى صدري ) رواه البخاري .
إذاً: النبي عليه الصلاة والسلام استعمل سواك غيره بإذنه، فدل على أن استعمال سواك الغير بإذنه لا حرج فيه، لكن يغسل أولاً ثم يستعمله، أو يقص مكان الاستعمال ثم يستعمله بعد ذلك، كما بينت ذلك بقولها: (فقصمته) أي: كسرته، قال بعضهم: (قضمته) بالضاد، وهو الأكل بأطراف الأسنان، فيحمل الكسر على كسر موضع الاستياك، ولا ينافي حصول الثاني وهو القضم، فتعيين عائشة موضع الاستياك بالقطع والمضغ حتى يلين، وريق الزوجة لزوجها والزوج لزوجته حاصل، فقد كان عليه الصلاة والسلام يمص لسان عائشة رضي الله عنها.
والنبي عليه الصلاة والسلام مع كونه في هذه الحالة، في فراش الموت، والمرض الذي شغله، لكنه ما نسي السواك، وهو لم يستطع أن يتكلم فأشار، أو أنه لم يرد أن يتكلم فأشار وفهمت عائشة الإشارة؛ ودلَّ ذلك على التمسك بالسواك حتى في المرض، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام حريصاً عليه حتى في مرضه، وقد جاء عند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( دخل عبد الرحمن على النبي عليه الصلاة والسلام وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، فأبدَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره -أي: مد نظره إلى السواك- فأبدَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره، فأخذت السواك -هذه عائشة عندها فطنة وانتباه وذكاء- فأخذت السواك فقضمته ونفضته وطيبته، ثم دفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستن به، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استن استناناً قط أحسن منه -استعداداً للقاء الملأ الأعلى- فما عدا أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إصبعه ثم قال: في الرفيق الأعلى ثلاثاً، ثم قبض، وكانت تقول: مات بين حاقنتي وذاقنتي ) وقالت: [ مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري ] والسحر هو: الرئة، يقال: انتفخ سحره، أي: انتفخت رئته، ويكون ذلك من الخوف وغيره.
فإذاً: حصل ذلك الاستياك على مشارف خروج روحه عليه الصلاة والسلام، وكان ذلك تهيئاً للقاء ملك الموت وملائكة الرحمة.
الوضوء بالماء المنقوع فيه السواك
ومما يتعلق بالسواك: ما جاء عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أنه أمر أهله أن يتوضئوا بفضل سواكه، والمقصود به التطهر، والمقصود بفضل السواك الماء الذي يبقى.
قال بعضهم: إن الوضوء بفضل الماء المنقوع فيه السواك هو المقصود بحديث جرير ، أي: إن وضع السواك في الماء لا يغير الماء بل يبقى على الطهارة، فإذا استعمله فلا بأس بذلك: [ توضئوا من هذا الذي أدخل فيه سواكي ] كما جاء في رواية، فلو توضأ إنسان من ماءٍ وضع فيه سواك شخصٍ آخر فلا حرج في ذلك، وكان جرير يقوله لزوجته.
السواك ليوم الجمعة والتسوك للمرأة
السواك ليوم الجمعة من الأمور المؤكدة؛ لما خصت به الجمعة من طلب تحسين الظاهر من الغسل والتنظيف والتطيب، ويناسب ذلك تطييب الفم الذي هو محل الذكر والمناجاة، وإزالة ما يؤذي الملائكة وبني آدم.
وأما بالنسبة للمرأة فإن السواك لها أيضاً، وليس هو من خصائص الرجل، ومما يدل على ذلك حديث مسلم عن عروة بن الزبير قال: [ كنت أنا و ابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة ، وإنا لنسمع ضربها بالسواك تستن ] أي: تتسوك؛ لأن السواك له صوت.
آلة السواك
يتسوك بكل عودٍ لا يضر وقسمه بعض الفقهاء إلى أربعة أقسام بحسب أفضليته، فاتفقوا على أن أفضلها هو الأراك -عود الأراك المعروف المشهور- لما فيه من طيبٍ وريحٍ وتشعيرٍ، فهذا النوع فيه تشعير، فشعرات السواك هي التي تخرج ما احتشى في الأسنان وتنقي، وقد جاء في حديث وفد عبد القيس أنه أمر لهم بأراك وقال: ( استاكوا بهذا ) وفي إسناده من تفرد به.
ويليه بعد ذلك جريد النخل، وقيل: إن النبي عليه الصلاة والسلام قد تسوك به، وهذا يحتاج إلى إثبات الحديث.
ثم يليه ما أخذ من شجر الزيتون لأنها شجرة مباركة.
ثم بعد ذلك بكل ما له رائحة طيبة ولا يضر، من قضبان الأشجار الناعمة التي لا تضر ولها رائحة طيبة، فالمقصود: أي شيء يحصل به التطييب والتنظيف.
فإن قيل: فرشاة الأسنان؟ ف
الجواب
فرشاة الأسنان يحصل بها المقصود من جهة التنظيف والتطييب؛ لأن الشعيرات هذه هي شعيرات بلاستيكية أو مصنوعة من نايلون أو غيره من المواد الصناعية، فيحصل بها المقصود، لكن إذا قال قائل: ما هو الأفضل السواك أم فرشاة الأسنان؟ الجواب: السواك أفضل، فإن قال: أجمع بينهما؟ نقول: خيرٌ على خير اجمع بينهما، خصوصاً أن بعض المعاجين قد يكون فيها علاج أو تقوية، لكن هؤلاء الكفار اكتشفوا أن السواك فيه مواد مقوية للثة، حتى جعلوا معاجين أسنان مستخلصة من السواك.
ويكره الاستياك بكل عودٍ يدمي، مثل: الآس والطرفاء، أو يحدث ضرراً مثل الرمان أو الريحان كما قال بعضهم، وهذا يعرف بالاستعمال والتجربة.
ويحرم الاستياك بكل عودٍ سام، ويستحب أن يكون السواك عوداً متوسطاً في غلظ الخنصر وهو أنحف أصابع اليد، خالٍ من العقد، لا رطباً يلتوي، ولا يابساً يجرح، وألا يتفتت في الفم، أن ويكون ليناً، ليس في غاية النعومة ولا غاية الخشونة، وهذه مسألة تعرف بالتجربة، فالواحد يختار السواك الذي فيه الفائدة.
وأما بالنسبة للعلك؛ فإن بعض العلك يمكن أن يؤدي شيئاً من الدور في التنظيف أو التقوية، ولكنه لا يؤدي كل الوظيفة، خصوصاً أنه لا يزيل ما احتشى بين الأسنان، أما الاستياك بالإصبع فقد تكلموا أنه لا بأس به، فإذا ما وجد الإنسان سواكاً بعد الأكل فإنه يغسل إصبعه ويدلك بها أسنانه فهم تكلموا عن مسألة الاستياك بالإصبع عند عدم وجود غيره.
هل يمسك السواك باليمنى أو اليسرى؟
بعضهم يستحب إمساك السواك باليمنى؛ لأن المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( كان يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله ) جاء في رواية: ( وسواكه ) لكن بعض العلماء فصل في هذا فقال: إذا كان عند الصلاة وعند الوضوء استعمل اليمنى، وإذا كان لمجرد التنظيف، تريد أن تنظف أسنانك فقط لا عند وضوء ولا عند صلاة ولا عند قيام الليل فاجعله باليسرى.
وإذا كان المقصود به العبادة وكان على مشارف العبادة فباليمنى، وإذا كان لمجرد التنظيف، فالتنظيف مثل: الاستنجاء والاستنثار من الأنف، فيكون باليسرى، والمسألة واسعة.
كيف يكون الاستياك؟
يكون الاستياك طولاً أو عرضاً، ولا بأس بذلك، لكن استعماله طولاً ثبت في السنة في اللسان، واستعماله طولاً في الأسنان وارد لكنه يجرح اللثة، وقد ورد حديث أنه كان يستاك عرضاً ولا يستاك طولاً، لكنه لم يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام، فيتبع ما يريح الإنسان ويؤدي القصد، فإذا كان الاستياك عرضاً على الأسنان أنفع وطولاً على اللسان كما ثبت في السنة فليكن ذلك.
ومن لا أسنان له فله أن يستاك على اللثة واللسان وسقف الحلق؛ لأن تغيير الرائحة حاصل حتى في هذا.
ويستحب ألا يستاك بحضرة الجماعة؛ لأنه ينافي المروءة، ولعل من الأحسن ألا يكون في حال التنظيف، لكن النبي عليه الصلاة والسلام استاك أمام الآخرين، وجاءه مرة ناس يكلمونه، وطلب واحد منهم عمل، فقلصت شفته على السواك عليه الصلاة والسلام، وامتعظ من الطلب، فقد كان يتسوك وقلصت شفته على السواك.
أما الاستياك في المسجد فينبغي أن يحذر منه الذين يفتتون بقايا السواك في المسجد، فإن هذا ليس من الأدب؛ لا بحضرة الناس ولا في بيت الله، بل هو من قلة الأدب، والإخلال بالمروءة، والإسلام دين يراعي كل هذه الأشياء.
ويحفظ السواك بعيداً عما يستقذر؛ لأن بعض الناس يضعونه في الأماكن المكشوفة، ويلقيه بأي مكان ثم يأخذه ويستاك به، وربما يكون علق به من الأوساخ ما علق، ولذلك يغسله في هذه الحالة ويكرر التسوك حتى تزول الرائحة ويطمئن إلى النظافة، ولا حد لأكثره، وأقله بحسب ما يحصل به المقصود.
ومن السنة أن يبدأ باليمين -يمين الفم- قبل الشمال للعموم في التيامن، وإذا عرف من عادته إدماء السواك فمه استاك بلطف.
فإذا كان أحد يعرف أنه مجرد ما يستعمل السواك على اللثة ينزل دم لضعفها، فليستك بلطف، وإذا لم يتمضمض فلا يستك قبل الصلاة إذا كان يعلم أنه يخرج دم، فلا يستك على اللثة، بل يجعله على اللسان والأسنان.
هذه بعض الأمور المتعلقة بالسواك.
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا اتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم.
إن السواك من السنن التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من سنن الفطرة التي ينبغي المحافظة عليها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ عليه ولا يتركه أبداً؛ لهذا كان لا بد من معرفة أحكامه وآدابه وما يستحب فيه، والمواضع التي يستحب فيها.
قال أهل اللغة: السِّواك بكسر السين، وهو يطلق على الفعل -فعل التسوك- وعلى العود -الآلة- الذي يتسوك به.
وهو مذكر وتؤنثه العرب أيضاً.
قاله الأزهري .
والسواك فعلك بالسواك، يقال: ساك فمه يسوكه سوكاً، وجمع سواك ليس مساويك جمعه سوك، مثل: كتاب كُتُب، سواك سُوك، وقيل: السواك مأخوذ من ساك إذا دلك، وقيل: من جاءت الإبل تساوك أي تمايل.
وأما في اصطلاح العلماء فإن السواك هو: استعمال عود أو نحوه في الأسنان لتذهب الصفرة وغيرها عنها -عن الأسنان-.
ويقال: ساك فمه بالعود يسوكه إذا دلكه.
وهناك تخليل الأسنان، والفرق بين هذا وبين السواك أن تخليل الأسنان هو إخراج ما بينها من فضلات بالخلال، مثل العود ونحوه، فالفرق بين الاستياك والتخليل أن التخليل خاص بإخراج ما بين الأسنان، أما السواك فهو لتنظيف الفم والأسنان واللسان بنوعٍ من الدلك، فهو مطهر للفم عموماً، وأما التخليل بالعود وغيره فهو لإخراج البقايا المنحشرة بين الأسنان.
وأما حكمته: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال عنه: ( السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ) أي: سبب لتطهير الفم، وسبب لمرضاة الرب عز وجل، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح الذي علقه البخاري ووصله أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ).
وأما بالنسبة للأحاديث الواردة للحث عليه فهي كثيرة، منها هذا الذي تقدم في الحكمة منه، ومنها: حديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لولا أن أشق على أمتي -أو على الناس- لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ) لأمرتهم بالسواك، أي: باستعمال السواك.
وقوله: ( مع كل صلاة ) جاء في رواية: ( عند كل صلاة ) وجاء في رواية: ( مع كل وضوء ) .
حكم السواك
وقوله: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم ) فانتفى الأمر لثبوت المشقة؛ لأن (لولا) في اللغة حرف امتناع لوجود، فامتنع الوجوب، لوجود المشقة، فهذه (لولا) في اللغة حرف امتناع لوجود، أي: يمتنع شيء لوجود شيء آخر لولا كذا لحصل كذا.
وهذا فيه دليل على أن السواك في الأصل ليس بواجب؛ لأن المشقة في إيجابه نفت وجوبه، إذ الندب في هذه الحالة هو المفهوم.
وقوله في حديث آخر: ( لفرضت عليهم ) بدل ( لأمرتهم ) يبين هذا، قال الشافعي رحمه الله تعالى: فيه دليل على أن السواك ليس بواجب؛ لأنه لو كان واجباً لأمرهم، شق عليهم به أو لم يشق.
إذاً: القول بعدم وجوبه صار قول أكثر أهل العلم، بل ادعى بعضهم فيه الإجماع، لكن حكي عن إسحاق بن راهويه أنه قال: هو واجب لكل صلاة.
عند الصلاة يكون واجباً، وعن داود الظاهري أنه واجب للصلاة ولكنه ليس شرطاً، وأما إسحاق فإنه قال: هو شرط، واحتج من قال بوجوبه بالأمر به، كما جاء في حديث ابن ماجة : ( تسوكوا ) وفي الموطأ : ( عليكم بالسواك ) لكن قال ابن حجر رحمه الله: ولا يثبت منها شيء.
أي: هذه الأوامر لم تثبت في أحاديث صحيحة.
إذاً: القول بالندب هو قول المذاهب الأربعة، وأما من قال بالوجوب كـ إسحاق و داود ، واحتج بظاهر الحديث فليس قوله بقوي.
ومن العلماء من قال بكراهته للصائم بعد الزوال، أي: إذا استاك الصائم بعد الزوال، كما هو عند الشافعية ورواية عند الحنابلة، ولكن هذا القول ليس بقوي، وأكثر العلماء -وهو التحقيق- أنه لا يكره في الصيام لا قبل الزوال ولا بعد الزوال، وعمدة الذين يقولون بالكراهة بعد الزوال قالوا: لأنه يزيل الخلوف الذي هو من مميزات الصائم، وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
فأجيب عن هذا: بأن هذا الخلوف من خلو المعدة، والسواك لا يزيل ما يخرج من المعدة ولا يدخل المعدة، فمصدر الخلوف من المعدة، وهذا السواك للأسنان، فهو يزيل وسخ الأسنان ولا يزيل الخلوف الذي بسبب خلو المعدة من الطعام.
ثم استدل بعضهم بقوله: ( عند كل صلاة ) على استحبابه للفرائض والنوافل؛ لأن قوله: ( عند كل صلاة ) يشمل كل الصلوات، الفريضة والنافلة، ويحتمل أن يكون المراد الصلوات المكتوبة وما ضاهاها من النوافل التي ليست تبعاً لغيرها، بمعنى: أنه إذا كان قبل الظهر أربع وبعدها اثنتان، فيصليها مباشرة، فالسواك لهذه كلها واحد، فيتسوك سواكاً واحداً للصلاة في السنة الراتبة والفريضة والسنة التي بعدها، وكذلك سنة المغرب لا تحتاج إلى سواك منفصل، وسنة العشاء، لكن هب أن هناك سنة منفصلة عن الفرض لا علاقة لها به، مثل صلاة العيد، فعند ذلك يكون السواك لها وجيهاً؛ لأنها صلاة نافلة ليست تبعاً لغيرها.
وجاء في رواية عند أحمد : ( لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضئون ) وفي رواية: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء، ومع كل وضوء بسواك ) فسوى بينهما.
وكما أن الوضوء لا يندب للراتبة التي بعد الفريضة إلا إذا طال الفصل كما قال بعضهم، أو قالوا: لا يندب الوضوء إلا إذا دخل وقت الصلاة الجديدة؛ فلذلك لا يندب أن تتوضأ إذا لم ينتقض وضوءك بعد الظهر مثلاً إلا إذا دخل وقت صلاة العصر، فعند ذلك يكون تجديد الوضوء سنة ومستحباً، ولا يشرع لك ولا يندب أن تجدد الوضوء من غير ناقض داخل وقت الصلاة الواحدة.
فإذا ربطنا السواك بالوضوء سنخرج بنتيجة أيضاً: أن السواك للصلاة الفريضة وما يتبعها من تحية المسجد والسنن النوافل -مثلاً- لا يندب كالوضوء، ويمكن أن يقال: إن الوضوء أشق من السواك.
وقد جاء عند ابن ماجة من حديث ابن عباس : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين ثم ينصرف فيستاك ) وإسناده صحيح، لكن هذا بالبحث -كما ذكر ابن حجر رحمه الله- يتضح أنه مختصر من حديث طويلٍ رواه أبو داود ، بين فيه أنه تخلل بين الانصراف والسواك نومٌ، أي: أن حديث ابن ماجة المذكور هنا: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين ثم ينصرف فيستاك ) فيه اختصار من حديثٍ آخر يبين أنه تخلل الانصراف من الركعتين والسواك نوم، فلما قام من النوم صار هناك وجاهة للسواك، كما أنه إذا قام من النوم سيتوضأ .
الحكمة من استحباب السواك عند كل صلاة
والحكمة في استحباب السواك عند القيام إلى الصلاة: كون الصلاة مناجاة للرب عز وجل، فاقتضى أن تكون على حال كمال ونظافة إظهاراً لشرف العبادة وهي الصلاة.
ومن الفوائد أيضاً: أن الأمر يتعلق بالملك الذي يستمع القرآن من المصلي؛ فإنه قد جاء في الحديث الذي حسنه بعض أهل العلم: ( أن الإنسان إذا قام فتسوك وتطهر وصلى وقرأ القرآن، لا يزال الملك يدنو منه حتى يضع فاه على فيه -حتى يضع الملك فاه على فم المصلي- فلا يخرج منه قرآن إلا دخل في جوف الملك ).
إذاً: حتى يكون الملك غير متأذٍ، فإن السواك يفيد بالإضافة للأدب مع الرب الأدب مع الملائكة.
وقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أنه قد أكثر علينا في السواك فقال: ( أكثرت عليكم في السواك ) أي: بالغت في تكرير طلبه منكم وإيراد الأخبار المرغبة فيه؛ فحقيق أن تفعلوا ما دام أني قد أكثرت عليكم ورغبتكم فالمتوقع منكم أن تفعلوا، وحديث: ( أكثرت عليكم في السواك ) رواه البخاري رحمه الله تعالى.
إذاً: السواك عند كل صلاةٍ مندوبٌ إليه.
السواك من سنن الفطرة
ولا ننس أن السواك من سنن الفطرة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( عشرٌ من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم -وهي العقد التي في الأصابع ويمكن أن تحتشي فيها الأوساخ- ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء -أي: الاستنجاء- قال مصعب : ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة ) الحديث رواه مسلم .
إذاً: السواك من سنن الفطرة.
وقت استعمال السواك عند الوضوء
أما بالنسبة لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) وفي رواية: ( عند كل وضوء ) فنحتاج أن نعرف متى يستعمل السواك.
اتفق أهل المذاهب الأربعة على أن السواك سنة عند الوضوء، لكن اختلفوا هل هو من سنن الوضوء، أم سنة منفصلة عن الوضوء؟ وهذا التفريق ليس من ورائه طائل كبير فذهب الحنفية والمالكية وهو رأي عند الشافعية: أن الاستياك سنة من سنن الوضوء؛ لأنه قال: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء ) وفي رواية: ( لفرضت عليهم السواك مع كل وضوء ).
وقال الحنابلة -وهو الرأي الأوجه عند الشافعية-: أن السواك سنة خارجة عن الوضوء، متقدمة عليه وليست منه، إذاً: متى تفعل؟ تفعل قبل الوضوء، والمذاهب الأربعة متفقة على أن السواك قبل الوضوء.
ماذا يترتب على هذا الخلاف؟ ذكرنا أن هناك خلافاً هل هو من سنن الوضوء، أم هو منفصل عن الوضوء، فماذا يترتب على الخلاف من الناحية العملية؟ العلماء متفقون على أنه قبل الوضوء، لكن لو كان من سنن الوضوء فمعنى ذلك أن نقول: باسم الله، ونتسوك ثم نغسل الكفين، ولو أنه ليس من سنن الوضوء فنتسوك ثم نقول: باسم الله، ثم نغسل الكفين.
فهل هو قبل التسمية أو بعدها؟ هذا هو فائدة الخلاف أو ثمرة الخلاف من الناحية العملية، والمسألة سهلة إن شاء الله.
فإذا قلنا: إنه خارج عن الوضوء -سنة منفصلة- فإنك إذا أردت أن تطبق السنة وتأخذ أجر تطبيق السنة فتستاك أولاً، ثم تسمي الله، ثم تشرع في غسل الكفين.
وماذا لو تيمم أو اغتسل؟ إذا كان التيمم بديلاً عن الوضوء فأن الاستياك يشرع حتى ولو تيمم، وتبعاً لهذا فإنه يستاك قبل التيمم؛ قبل أن يبدأ بضرب الكفين على الأرض، وكذلك في الغسل قبل أن يفيض الماء عليه.
وماذا بالنسبة للصلاة؟ ذكرنا قبل قليل أن الاستياك للصلاة فرضها ونفلها، وذكرنا التفصيل في قضية الوقت، ولو نسي قبل الفريضة وتذكر قبل الراتبة التي بعد الفريضة فماذا يفعل؟ أي: واحد نسي التسوك قبل الفريضة، ولما انتهى من الفريضة وأراد أن يصلي السنة الراتبة التي بعد الفريضة -بعد المغرب أو العشاء أو الظهر- فإنه يستاك بعد الفريضة وقبل الراتبة.
مواضع يستحب فيها السواك
وهناك أمورٌ أخرى يستحب لها السواك، مثل: قراءة القرآن ولو كان خارج الصلاة، وألحق العلماء بهذا الأمر قراءة الحديث أو حضور مجالس العلم، حتى قال بعضهم: يستحب في سجدة التلاوة؛ لأنها من جنس الصلاة، وقد اشترطوا لها الوضوء واستقبال القبلة وستر العورة -وهم الجمهور- قياساً على الصلاة، فقالوا: حتى إذا أراد أن يسجد للتلاوة يستاك، لكنهم قالوا: محلها بعد فراغ الآية وقبل سجدة التلاوة، لذا كان خارج الصلاة، فالسواك قبل الصلاة.
ويستحب عند ذكر الله عموماً، قال بعضهم: يندب أن يزيل وسخ الفم وقلح الأسنان بالسواك لذكر الله تعالى، والملائكة تحضر مجالس العلم، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فإذا كانوا يحضرون مجالس العلم فإن السواك من آداب مجالس العلم، ولأن الملائكة يحضرون الميت قالوا: لو تسنى للمحتضر أن يستاك فليستك، وقد ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام تسوك قبيل موته، فقالوا: إذا تمكن المحتضر من الاستياك أو أشار أن يعطوه سواكاً فليعطوه قبل الموت، فالملائكة تحضر، حتى قالوا: إنه يسهل خروج الروح ونحو ذلك، وهذا الله أعلم به وهو من أمور الغيب، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت أنه استاك وهو يحتضر.
ويستحب كذلك الاستياك عند قيام الليل، وسيأتي الحديث فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويستحب -أيضاً- الاستياك لمجامع الناس؛ فإن الإنسان إذا أراد أن يذهب إلى الناس، خصوصاً إذا كان قادماً من سفر وهناك معانقة كأن يسلم على عالم مثلاً، ويقترب منه، ويضع وجهه قبل وجهه، أو سائل يسر إلى عالمٍ بشيء أو نحو ذلك.
وكذلك عند الذهاب إلى المسجد، فإنه من تمام الزينة، والمسجد فيه اجتماع الملائكة واجتماع الناس، وتطييب الرائحة فيه مؤكد.
وقالوا أيضاً: إن السواك مستحب للالتقاء بالأهل، ودليله قوي وهو حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بدأ بالسواك ) الحديث رواه مسلم فيتزين للقاء زوجته وأهله كما يحب أن تتزين له، ولذلك قالوا: حتى عند الجماع؛ لأن فيه ملامسة الرجل المرأة والاقتراب منها، وكذلك عند القيام من النوم لتغير رائحة الفم، وإذا تغير بعطشٍ أو جوعٍ أو اصفرار أو غير ذلك، ويستعمل السواك عند الفراغ من الطعام أيضاً.
وعموماً حديث: ( السواك مطهرةٌ للفم مرضاة للرب ) معناه: في أي وقتٍ من ليل أو نهار يمكن أن يستعمله.
وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية التسوك أشياء فمن ذلك:
إمرار السواك على اللسان
وهي سنة مجهولة عند كثيرين، عن أبي بردة عن أبيه قال: ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته يستن بسواكٍ بيده يقول: أع أع، والسواك في فيه كأنه يتهوع ) رواه البخاري .
ومعنى يستن: من السِّن أو من السَّن، بكسر السين من السِّن؛ لأن السواك يمر على الأسنان، وبالفتح يقال: السَّن؛ لأنه يسن الأسنان أي يحدها، فيكون مأخوذاً من سن السكين وسن المقص، وهذا السواك يسن الأسنان.
وقوله: (أع) يسمى في اللغة: حكاية فعل، الراوي يريد أن يحكي ما هو الصوت الذي صدر من النبي عليه الصلاة والسلام.
فجعل السواك على طرف لسانه، والمراد الطرف الداخل وليس الطرف الخارج، كما جاء في رواية أحمد : ( يستن إلى فوق ) ولهذا قال هنا: كأنه يتهوع، أي: يتقيأ، له صوتٌ كصوت المتقيئ، كما ذكر في الحديث، فيستفاد منه مشروعية السواك على اللسان طولاً، وهذه سنة مجهولة، فلا يقتصر على الأسنان، بل يسوك اللسان طولاً حتى يدخل إلى الداخل حتى كأنه يتهوع.
ففيه أن السواك لا يختص بالأسنان، وإنما يشمل اللسان أيضاً، وأن التنظيف والتطييب فيه إزالة الأذى عن كل ما هو داخل الفم.
التسوك عند الاستيقاظ من النوم
وقد كان عليه الصلاة والسلام يستاك ليلاً، ويحضر له سواكه، وقد جاء في الحديث الصحيح أن رجلاً سأل عائشة رضي الله عنها فقال: ( أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ألست تقرأ (يا أيها المزمل)؟ قلت: بلى، قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء -إذاً: سورة المزمل نزلت على دفعتين بينهما سنة- حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة، قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كنا نعد له سواكه -فالمرأة من برها بزوجها وإعانتها له على العبادة وعلى تطبيق السنة أن تعد السواك لزوجها- قالت: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه -وهذه إحدى الكيفيات لقيام الليل- فيقرأ ويقوم الليل ).
وأيضاً جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( أنه رقد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فاستيقظ وتسوك وتوضأ وهو يقول: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ } [آل عمران:190] فقرأ هؤلاء الآيات حتى ختم السورة، ثم قام فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفخ ) الحديث رواه مسلم .
وهذا فيه سنة مهجورة أو مجهولة، وهي قراءة آيات آل عمران عند القيام من النوم، فبعد القيام من النوم يتسوك ويتوضأ ويقرأ الآيات ثم يفتتح صلاة الليل فمتى تكون قراءة آيات آل عمران؟ بعد السواك والوضوء يقرأ آيات آل عمران: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [آل عمران:190] .
إلى آخر السورة، ثم ويكبر ويصلي قيام الليل، والحديث في صحيح مسلم .
وإذا تكرر نومه واستيقاظه فيكرر قراءته لها، ولو نام يكرر أيضاً السواك، فلو أن رجلاً قام وقرأ الآيات وصلى، ثم نام، ثم قام قبل الفجر وأراد أن يصلي فإنه يقرأ، كما جاء في روايةٍ أخرى عند مسلم : عن ابن عباس : ( أنه بات عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم من آخر الليل، فخرج فنظر في السماء ثم تلا هؤلاء الآيات من آل عمران: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } [آل عمران:190]، حتى بلغ { فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } [آل عمران:191] ثم رجع إلى البيت فتسوك وتوضأ، ثم قام فصلى، ثم اضطجع، ثم قام فخرج فنظر إلى السماء فتلا هذه الآية ) فإذاً: لو تكرر القيام يكرر هؤلاء الآيات.
وفيه سنة أخرى وهي: النظر إلى السماء عند تلاوة الآيات، كما ذكر النووي رحمه الله: يستحب السواك عند الاستيقاظ في الليل مع النظر إلى السماء لما في ذلك من عظيم التدبر { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [آل عمران:190] وهو ينظر إلى السماء.
وقد جاء في كيفية السواك في الليل حديث حذيفة : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك ) رواه البخاري .
(يشوص) هو الغسل والتنظيف والتنقية، وقيل: هو الإمرار على الأسنان من أسفل إلى فوق، وهو مأخوذ من الشوصة، وهي ريح ترفع القلب عن موضعه، وقيل: هو دلك الأسنان بالسواك أو الأصابع عرضاً، وهذا عكس الأول فهذه من الأقوال في الشوص، فإذا أراد أن يفعله طولاً أو يفعله عرضاً فله ذلك كله؛ لأن المقصود أن يحصل التطييب والتنقية.
وهذا فيه فضل السواك عند القيام من النوم؛ لأن الفم يكون متغير الرائحة لتصاعد الأبخرة من المعدة، والسواك آلة للتنظيف.
وقوله: (من الليل) عام في كل حالة، فلو نام شخص في النهار حتى في القيلولة، وقام وقد تغيرت رائحة الفم فإنه يستاك، ولكن يتأكد إذا قام من الليل للصلاة فإن الملك يأتي، وفيها مناجاة الرب، فيتأكد أكثر، ويكون به كمال الهيئة والتأهب للصلاة، وهو يدل على طول القيام.
وقوله: (إذا قام للتهجد) أي: لعادته، وقد سبق التنبيه إلى أن التهجد لا يسمى تهجداً إلى إذا كان بعد نوم، أما قيام الليل فيسمى قياماً ولو لم يسبقه نوم، فلو قام بعد صلاة العشاء بعدما صلى الراتبة يصلي الوتر أو قيام الليل، فإنه يسمى قيام ليل، لكن لا يسمى تهجداً إلا إذا سبقه نوم، وقام من النوم إلى الصلاة.
دفع السواك إلى الأكبر
ومن السنن المتعلقة بالسواك: ما عنون له البخاري رحمه الله في صحيحه : باب دفع السواك إلى الأكبر عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أراني أتسوك بسواك، فجاءني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي: كبر، فدفعته إلى الأكبر منهما ) رواه البخاري .
قوله: (أراني) من الرؤية، وفي رواية: ( رأيت في المنام ) وعلى هذا فيكون من الرؤيا بالألف، ( فقيل لي ) القائل هو جبريل عليه السلام، ( كبر ) أي: قدم الأكبر في السن، وجاء هذا الحديث عند أحمد و البيهقي بلفظ: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن فأعطاه أكبر القوم ثم قال: إن جبريل أمرني أن أكبر ) وهذه الرواية تقتضي أن القصة هذه وقعت يقظةً، والذي قبلها يفهم منها أنها وقعت في المنام، فكيف نجمع بينهما؟ نقول: إن ذلك لما وقع في اليقظة أخبرهم عليه الصلاة والسلام بما رآه في المنام تنبيهاً على أن أمره بذلك بوحي متقدم.
وجاء بإسنادٍ حسنٍ عن عائشة قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن وعنده رجلان، فأوحي إليه أن أعط السواك الأكبر ) وفي هذا احترام كبير السن وتقديم ذي السن في السواك.
وهنا في كلام ابن بطال رحمه الله في شرح صحيح البخاري جوابٌ على سؤالٍ يرد كثيراً: بمن نبدأ؟ قال ابن بطال : فيه تقديم ذي السن في السواك، ويلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام، فإذا كان عندك جماعة يريدون أن يتحدثوا فإنه يبدأ الأكبر فيهم، وإذا أردت أن تدخل مع أحد من الباب وهو الأكبر قدِّم الأكبر، وإذا أردت أن توزع أشياء على أشخاص كأن تريد أن تعطي شراباً في المجلس فابدأ بالأكبر ثم من عن يمينه، لتجمع بين هذا وهذا، لكن إذا لم يكونوا مترتبين في الجلوس، كأن يكونوا واقفين وجئت ومعك إناء لبن فإنك تعطي الأكبر، فإذا ترتبوا في المجلس فالسنة تتعين إعطاء الأيمن، قال بعضهم: أيمن الأكبر، أي: يبدأ بالأكبر، ثم من عن يمينه، كما قدم للنبي عليه الصلاة والسلام الإناء فأعطى الأعرابي ولم يعط أبا بكر ؛ لأن الأعرابي كان عن يمين النبي عليه الصلاة والسلام، هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس، فإذا ترتبوا فالسنة حينئذٍ تقديم الأيمن، وقد أقر ابن حجر هذا الكلام بقوله: وهو صحيح.
جواز التسوك بسواك الغير بإذنه
والحديث السابق فيه إشارة إلى مسألة، وهي التسوك بسواك الغير ( أراني أتسوك بسواك، فجاءني رجلان فناولت الأصغر فقيل: كبر، فدفعته للأكبر ) لذلك أخذوا منه أن استعمال سواك الغير ليس بمكروه، إلا أن المستحب أن يغسله ثم يستعمله، وفيه حديث عائشة رضي الله عنها: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني السواك لأغسله، فأبدأ به فأستاك ثم أغسله ثم أدفعه إليه ) ترجو بركة ريقه.
إذاً: من السنن غسل السواك، فكان يعطيها السواك لتغسله فتستاك به ثم تغسله ثم تناوله إياه، وهذا يدل على عظيم أدبها وكبير فطنتها؛ لأنها لم تغسله ابتداءً حتى لا يفوتها الاستشفاء أو التبرك المشروع بريقه صلى الله عليه وسلم، ثم غسلته تأدباً وامتثالاً لما أمرها به صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد غسل السواك: تليينه بعد جفافه؛ لأن السواك يتعرض للجفاف، فالغسل يفيد في تنظيفه وتليينه، وهذه سنة الغسل؛ لأن التسوك بالسواك الجاف يسبب جرح اللثة وخروج الدم.
وقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه : باب من تسوك بسواك غيره وساق حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به، فنظر إليه صلى الله عليه وسلم -وكان في حجر عائشة في آخر العمر عند وفاته- فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: -تقول عائشة لأخيها-: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن ! فأعطانيه فقصمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستن به وهو مستند إلى صدري ) رواه البخاري .
إذاً: النبي عليه الصلاة والسلام استعمل سواك غيره بإذنه، فدل على أن استعمال سواك الغير بإذنه لا حرج فيه، لكن يغسل أولاً ثم يستعمله، أو يقص مكان الاستعمال ثم يستعمله بعد ذلك، كما بينت ذلك بقولها: (فقصمته) أي: كسرته، قال بعضهم: (قضمته) بالضاد، وهو الأكل بأطراف الأسنان، فيحمل الكسر على كسر موضع الاستياك، ولا ينافي حصول الثاني وهو القضم، فتعيين عائشة موضع الاستياك بالقطع والمضغ حتى يلين، وريق الزوجة لزوجها والزوج لزوجته حاصل، فقد كان عليه الصلاة والسلام يمص لسان عائشة رضي الله عنها.
والنبي عليه الصلاة والسلام مع كونه في هذه الحالة، في فراش الموت، والمرض الذي شغله، لكنه ما نسي السواك، وهو لم يستطع أن يتكلم فأشار، أو أنه لم يرد أن يتكلم فأشار وفهمت عائشة الإشارة؛ ودلَّ ذلك على التمسك بالسواك حتى في المرض، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام حريصاً عليه حتى في مرضه، وقد جاء عند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( دخل عبد الرحمن على النبي عليه الصلاة والسلام وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، فأبدَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره -أي: مد نظره إلى السواك- فأبدَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره، فأخذت السواك -هذه عائشة عندها فطنة وانتباه وذكاء- فأخذت السواك فقضمته ونفضته وطيبته، ثم دفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستن به، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استن استناناً قط أحسن منه -استعداداً للقاء الملأ الأعلى- فما عدا أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إصبعه ثم قال: في الرفيق الأعلى ثلاثاً، ثم قبض، وكانت تقول: مات بين حاقنتي وذاقنتي ) وقالت: [ مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري ] والسحر هو: الرئة، يقال: انتفخ سحره، أي: انتفخت رئته، ويكون ذلك من الخوف وغيره.
فإذاً: حصل ذلك الاستياك على مشارف خروج روحه عليه الصلاة والسلام، وكان ذلك تهيئاً للقاء ملك الموت وملائكة الرحمة.
الوضوء بالماء المنقوع فيه السواك
ومما يتعلق بالسواك: ما جاء عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أنه أمر أهله أن يتوضئوا بفضل سواكه، والمقصود به التطهر، والمقصود بفضل السواك الماء الذي يبقى.
قال بعضهم: إن الوضوء بفضل الماء المنقوع فيه السواك هو المقصود بحديث جرير ، أي: إن وضع السواك في الماء لا يغير الماء بل يبقى على الطهارة، فإذا استعمله فلا بأس بذلك: [ توضئوا من هذا الذي أدخل فيه سواكي ] كما جاء في رواية، فلو توضأ إنسان من ماءٍ وضع فيه سواك شخصٍ آخر فلا حرج في ذلك، وكان جرير يقوله لزوجته.
السواك ليوم الجمعة والتسوك للمرأة
السواك ليوم الجمعة من الأمور المؤكدة؛ لما خصت به الجمعة من طلب تحسين الظاهر من الغسل والتنظيف والتطيب، ويناسب ذلك تطييب الفم الذي هو محل الذكر والمناجاة، وإزالة ما يؤذي الملائكة وبني آدم.
وأما بالنسبة للمرأة فإن السواك لها أيضاً، وليس هو من خصائص الرجل، ومما يدل على ذلك حديث مسلم عن عروة بن الزبير قال: [ كنت أنا و ابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة ، وإنا لنسمع ضربها بالسواك تستن ] أي: تتسوك؛ لأن السواك له صوت.
آلة السواك
يتسوك بكل عودٍ لا يضر وقسمه بعض الفقهاء إلى أربعة أقسام بحسب أفضليته، فاتفقوا على أن أفضلها هو الأراك -عود الأراك المعروف المشهور- لما فيه من طيبٍ وريحٍ وتشعيرٍ، فهذا النوع فيه تشعير، فشعرات السواك هي التي تخرج ما احتشى في الأسنان وتنقي، وقد جاء في حديث وفد عبد القيس أنه أمر لهم بأراك وقال: ( استاكوا بهذا ) وفي إسناده من تفرد به.
ويليه بعد ذلك جريد النخل، وقيل: إن النبي عليه الصلاة والسلام قد تسوك به، وهذا يحتاج إلى إثبات الحديث.
ثم يليه ما أخذ من شجر الزيتون لأنها شجرة مباركة.
ثم بعد ذلك بكل ما له رائحة طيبة ولا يضر، من قضبان الأشجار الناعمة التي لا تضر ولها رائحة طيبة، فالمقصود: أي شيء يحصل به التطييب والتنظيف.
فإن قيل: فرشاة الأسنان؟ ف
الجواب
فرشاة الأسنان يحصل بها المقصود من جهة التنظيف والتطييب؛ لأن الشعيرات هذه هي شعيرات بلاستيكية أو مصنوعة من نايلون أو غيره من المواد الصناعية، فيحصل بها المقصود، لكن إذا قال قائل: ما هو الأفضل السواك أم فرشاة الأسنان؟ الجواب: السواك أفضل، فإن قال: أجمع بينهما؟ نقول: خيرٌ على خير اجمع بينهما، خصوصاً أن بعض المعاجين قد يكون فيها علاج أو تقوية، لكن هؤلاء الكفار اكتشفوا أن السواك فيه مواد مقوية للثة، حتى جعلوا معاجين أسنان مستخلصة من السواك.
ويكره الاستياك بكل عودٍ يدمي، مثل: الآس والطرفاء، أو يحدث ضرراً مثل الرمان أو الريحان كما قال بعضهم، وهذا يعرف بالاستعمال والتجربة.
ويحرم الاستياك بكل عودٍ سام، ويستحب أن يكون السواك عوداً متوسطاً في غلظ الخنصر وهو أنحف أصابع اليد، خالٍ من العقد، لا رطباً يلتوي، ولا يابساً يجرح، وألا يتفتت في الفم، أن ويكون ليناً، ليس في غاية النعومة ولا غاية الخشونة، وهذه مسألة تعرف بالتجربة، فالواحد يختار السواك الذي فيه الفائدة.
وأما بالنسبة للعلك؛ فإن بعض العلك يمكن أن يؤدي شيئاً من الدور في التنظيف أو التقوية، ولكنه لا يؤدي كل الوظيفة، خصوصاً أنه لا يزيل ما احتشى بين الأسنان، أما الاستياك بالإصبع فقد تكلموا أنه لا بأس به، فإذا ما وجد الإنسان سواكاً بعد الأكل فإنه يغسل إصبعه ويدلك بها أسنانه فهم تكلموا عن مسألة الاستياك بالإصبع عند عدم وجود غيره.
هل يمسك السواك باليمنى أو اليسرى؟
بعضهم يستحب إمساك السواك باليمنى؛ لأن المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( كان يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله ) جاء في رواية: ( وسواكه ) لكن بعض العلماء فصل في هذا فقال: إذا كان عند الصلاة وعند الوضوء استعمل اليمنى، وإذا كان لمجرد التنظيف، تريد أن تنظف أسنانك فقط لا عند وضوء ولا عند صلاة ولا عند قيام الليل فاجعله باليسرى.
وإذا كان المقصود به العبادة وكان على مشارف العبادة فباليمنى، وإذا كان لمجرد التنظيف، فالتنظيف مثل: الاستنجاء والاستنثار من الأنف، فيكون باليسرى، والمسألة واسعة.
كيف يكون الاستياك؟
يكون الاستياك طولاً أو عرضاً، ولا بأس بذلك، لكن استعماله طولاً ثبت في السنة في اللسان، واستعماله طولاً في الأسنان وارد لكنه يجرح اللثة، وقد ورد حديث أنه كان يستاك عرضاً ولا يستاك طولاً، لكنه لم يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام، فيتبع ما يريح الإنسان ويؤدي القصد، فإذا كان الاستياك عرضاً على الأسنان أنفع وطولاً على اللسان كما ثبت في السنة فليكن ذلك.
ومن لا أسنان له فله أن يستاك على اللثة واللسان وسقف الحلق؛ لأن تغيير الرائحة حاصل حتى في هذا.
ويستحب ألا يستاك بحضرة الجماعة؛ لأنه ينافي المروءة، ولعل من الأحسن ألا يكون في حال التنظيف، لكن النبي عليه الصلاة والسلام استاك أمام الآخرين، وجاءه مرة ناس يكلمونه، وطلب واحد منهم عمل، فقلصت شفته على السواك عليه الصلاة والسلام، وامتعظ من الطلب، فقد كان يتسوك وقلصت شفته على السواك.
أما الاستياك في المسجد فينبغي أن يحذر منه الذين يفتتون بقايا السواك في المسجد، فإن هذا ليس من الأدب؛ لا بحضرة الناس ولا في بيت الله، بل هو من قلة الأدب، والإخلال بالمروءة، والإسلام دين يراعي كل هذه الأشياء.
ويحفظ السواك بعيداً عما يستقذر؛ لأن بعض الناس يضعونه في الأماكن المكشوفة، ويلقيه بأي مكان ثم يأخذه ويستاك به، وربما يكون علق به من الأوساخ ما علق، ولذلك يغسله في هذه الحالة ويكرر التسوك حتى تزول الرائحة ويطمئن إلى النظافة، ولا حد لأكثره، وأقله بحسب ما يحصل به المقصود.
ومن السنة أن يبدأ باليمين -يمين الفم- قبل الشمال للعموم في التيامن، وإذا عرف من عادته إدماء السواك فمه استاك بلطف.
فإذا كان أحد يعرف أنه مجرد ما يستعمل السواك على اللثة ينزل دم لضعفها، فليستك بلطف، وإذا لم يتمضمض فلا يستك قبل الصلاة إذا كان يعلم أنه يخرج دم، فلا يستك على اللثة، بل يجعله على اللسان والأسنان.
هذه بعض الأمور المتعلقة بالسواك.
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا اتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم.
الثلاثاء أغسطس 27, 2013 10:10 am من طرف سوس
» طريقه وضع توقيع فلاش
الجمعة يوليو 05, 2013 11:57 am من طرف fidou
» صيام ثلاثة أيام= صيام السنة كلها
الجمعة يوليو 05, 2013 10:56 am من طرف fidou
» ولا ذبابة.. !
الجمعة يوليو 05, 2013 10:52 am من طرف fidou
» يستحق الحب .. إنه نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم
الجمعة يوليو 05, 2013 10:51 am من طرف fidou
» محفظ ٌ قرآن معتمد أونلاين
الجمعة يوليو 05, 2013 10:47 am من طرف fidou
» فضائل شهر رمضان
الجمعة يوليو 05, 2013 10:26 am من طرف fidou
» هل تريد النصر؟
الإثنين سبتمبر 10, 2012 8:40 pm من طرف أم محمود
» إجازة معتمده فى القراءات العشر عبر النت
الجمعة يونيو 29, 2012 12:03 am من طرف إجازه معتمده اونلاين
» اسرع إجازة عبر الإنترنت فى شهر متصلة السند بالرسول
الخميس يونيو 28, 2012 11:40 pm من طرف إجازه معتمده اونلاين
» منتديات دروبي عالمي الأسلأمي الدعوية اريد ان ادعوكم للمنتدايhttp://rfiaaildilrarb.7olm.org/
الإثنين يونيو 25, 2012 3:29 am من طرف ناصر السنة
» .~* وَسَقَطَت وَرِقه مَن شَجَرَة الْعُمُر *~.
الثلاثاء يونيو 19, 2012 10:09 pm من طرف •°حہيآئيٌ آآيہُمانيً°•
» !الأب مشغول..والأم فى الأسواق!
الثلاثاء يونيو 19, 2012 9:53 pm من طرف •°حہيآئيٌ آآيہُمانيً°•
» ...حب دينك سبب ثباتك عليه...
الثلاثاء يونيو 19, 2012 9:28 pm من طرف •°حہيآئيٌ آآيہُمانيً°•
» حاسـوبي الأفضـل بين الحواسيب
الثلاثاء يونيو 19, 2012 9:03 pm من طرف •°حہيآئيٌ آآيہُمانيً°•
» ! رساله الى أصحاب الوجوه العابسه !
الثلاثاء يونيو 19, 2012 8:52 pm من طرف •°حہيآئيٌ آآيہُمانيً°•
» صيام الأيام البيض لشهر رجب 1433
الجمعة يونيو 01, 2012 3:16 pm من طرف انور ابو البصل
» صيام الأيام البيض لشهر جمادى الاخرة 1433
الخميس مايو 03, 2012 3:49 am من طرف انور ابو البصل
» صيام الأيام البيض لهذا الشهر ربيع الثاني 1433
الإثنين مارس 05, 2012 3:20 pm من طرف انور ابو البصل
» صيام الأيام البيض لشهر ربيع الأول 1433
السبت فبراير 04, 2012 2:16 pm من طرف انور ابو البصل
» حلول قساوة القلوب
السبت يناير 28, 2012 1:29 pm من طرف انور ابو البصل
» لمن يريد دعوة شخص أجنبي للإسلام
السبت يناير 28, 2012 1:56 am من طرف الكعبة روحى
» علاج السرحان في الصلاة
السبت يناير 14, 2012 7:08 pm من طرف wegdan
» اسماء وصفات الله عز وجل
الخميس يناير 12, 2012 3:30 pm من طرف ا.عمرو
» اجعل الله همك يكفك ما اهمك
الخميس يناير 12, 2012 1:49 pm من طرف wegdan
» روائع الكلام
الخميس يناير 12, 2012 12:18 am من طرف ا.عمرو
» العبرة بالنهاية
الأربعاء يناير 11, 2012 7:06 pm من طرف ابومحمودعماد محمود
» مخطط جورج سوروس الذي يدافع عنه البرادعي لاختطاف الثورة المصرية
السبت يناير 07, 2012 9:27 am من طرف ا.عمرو